وثقيف وغطفان وتميم وطيء قلب جزيرة العرب، ودخولها في الإسلام ونعرض لهذه الوفود بحيث نرى نماذج الدعوة إلى الله من خلالها.
أ - فهذا ضمام بن ثعلبة الذي يمثل صدق الأعراب وصفاءهم وقوة شكيمتهم (... فأقبل حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه. فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا ابن عبد المطلب. قال: أمحمد؟ قال: نعم: قال: يا ابن عبد المطلب الله سائلك ومغلظ عليك بالمسألة فلا تجدن في نفسك. قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك. قال: انشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك - صلى الله عليه وسلم - آلله بعثك إلينا رسولا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هوكائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا. وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها. حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. وسأؤدي هذه الفرائض واجتنب ما نهيتني عنه، ثم انصرف إلى بعيره راجعا قال. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة. قال فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام! إتق البرص، إتق الجذم، اتق الجنون! قال: ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولا، وأنزل عليكم كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ررسوله. وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما. قال: يقول عبد الله بن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة (١)).
إنه ليدور في خلدي ذلك الإنسان الذي عاش في صحرائه. ضمام بن ثعلبة. منسجما مع نفسه في إبله وأهله. وله السيادة في قومه. جاء إليه من حدثه عن محمد رسول الله. فسر في قلبه سرورا عظيما. وعزم على أن يمضي بنفسه ليلقى هذا الرسول من عند رب العالين، وسوف يناشده الله أن يصدقه، ومضى بهذا التصميم إليه، ونفسه تتوق طيلة الطريق إلى ذلك اللقاء الذي يتعرف به على هذا المرسل من عند الله رب السماء والأرض. ووصل، واعتذر سلفا عن الأغلاظ في المسألة. وصمم على أن يناشده ربه عن كل شيء. حتى إذا تأكد من صحة كلام هذا المبعوث من عند الله تعالى، أخذ الأوامر المرسلة، والنواهي المجتنبة، ومضى إلى قومه وقد انتهى