إلى اليقين النهائي في نفسه، وأمام هذا الإيمان العجيب، دخل قومه كلهم في الإسلام، ولم يكلف دخول هذه القبيلة كلها أكثر من كلمات:(اللهم نعم) من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما كلف دخول قريش في الإسلام حرب عشرين عاما أو تزيد.
وهكذا تضم الحركة الإسلامية إلى رصيدها هذه الصورة الجديدة من الدعوة التي لا تعدو أكثر من إجابة واحدة على أسئلة محددة. وتدخل إلى قلوب هذه النماذج. بهذا الوضوح والصراحة.
قد نجد الشباب الإسلامي يقرأ المجلدات من الفكر الإسلامي ولكنه يعجز عن الوصول إلى عامة الناس وسوادهم، فهو لا يعرف اللغة التي يفهمون بها. قد يتحدث معهم عن الفلسفة الإسلامية ونظام الحكم، ونظام القضاء والايديرلوجية لكن دون جدوى فهو في واد، وجماهير الأمة في واد آخر، وقد لا يكلف التفاهم مع هذه الجماهير أكثر من وليمة أو كلمة ثناء أو أريحية في خدمة. أو تبسيط دون أي تعقيد، وهذا ما رأيناه في هذا الموقف الذي لم يكلف نبي الله تعالى أكثر من قوله (اللهم نعم) ثم أععطى الدرس لأصحابه: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة.
ب - وعلى نهج ضمام كان مقدم الجارود في وفد عبد القيس. (فلما عرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال: يا محمد إني كنت على دين، وإني تارك ديني لدينك. أفتضمن لي ديني، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه، قال: فأسلم وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحملان فقال: والله ما عندي ما أحملكم عليه قال: يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من الناس. أفنتبلغ عليها إلى بلادنا؟ قال: لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار. فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه، وكان حسن الإسلام صلبا على دينه، حتى هلك وقد أدرك الردة. فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول قام الجارود فتكلم شهادة الحق، ودعا إلى الإسلام فقال: أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد (١)).
فقد اكتفى الجارود حين ترك دينه بضمانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له دينه السابق، ومثل القاعدة الصلبة في البحرين. حيث سبقه حاكمها المنذر بن ساوى العبدي إلى الإسلام وعلى رأس هؤلاء العلاء بن الحضرمي موفد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم وكان الجارود والعلاء هما اللذان وقفا مع المؤمنين في وجه المرتدين الذين قادهم الغرور بن المفذر بن النعمان بن المنذر. وتبقى القاعدة الصلبة هي الحصن الحصين للدعوة وقت الأزمات.