للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أسلم حديثا من أهل مكة فحج بالمسلمين، وبقي معاذ بن جبل رضي الله عنه في مكة يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن.

مضى عام كامل ومعاذ تحت إمرة عتاب يفقه الناس في الدين، وإن كان قد استدعي رضي الله عنه لأداء المهمة نفسها في اليمن، وكانت سنة كافية لأسلمه الحج كله إذا صح التعبير ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدد الأمر عاما آخر حتى تأخذ التربية مداها، ويأخذ التفقيه مداه وأن يتعامل مع قلوب الناس لا مع أجسادهم لا بد من سلخ آثار الوثنية من القلوب والنفوس التي علقت بها هذه الآثار واستمرت التربية سنتين كاملتين حتى كانت حجة الوداع.

لقد ارتبط الحكم الإسلامي في جانبيه الشعائر والشرائع بهذا المدى الزمني العظيم والسلطة الوحيدة المسيطرة هي سلطة المسلمين، وهي القوة الوحيدة في الساحة ومع ذلك اقتضى الأمر هذا المدى الزمني الطويل ليمنع فيه حج المشرك وطواف العُريان.

إننا نجد الشباب الإسلامي المتحمس وهو يتصور دولة الإسلام القادمة من خلال بلاغات حربية وانقلاب عسكري ومنذ اليوم الأول الذي تعلن فيه إسلامية الدولة. وفي بلاغات متلاحقة. وأيام قلائل. تلغى كل مظاهر الكفر والشرك في الإذاعة والتلفاز، ومظاهر الفساد ومواخير الزنا في المسارح والملاهي والسينمات، ويصدر قرار بالحجاب الإسلامي.

إن هذا التصور العجيب الذي يملأ قلوب الكثير من الشباب هو تصور غير إسلامي، بل ويبالغ الشباب بكل أسف في ذلك لدرجة إتهام القيادة المسلحة بالمداهنة في دين الله لو تلكأت عن هذا التنفيذ وبالإنحراف، وبموالاة الكفار.

لقد سمعت ذلك الشاب المتحمس وهو يناقشني على صوت موسيقي ظهر خطأ في برنامج إسلامي، من إذاعة لدولة حليفة يقول لي: هذا هو الانحراف، وكما انحرف الفلسطينيون في فتح، وانتقلوا من الإسلام في البداية إلى العلمانية ها أنتم تنحرفون كذلك، بل وبلغ الحماس عند بعض الشباب أن نفض يديه من الجماعة المسلمة حين وجد هذا الصوت في هذا البرنامج.

لهؤلاء الشباب الذين تقرأ عتابهم وهم رصيد هذه الحركة، لهؤلاء نقول رويدا رويدا. فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم السلطة في مكة ويبقى الحرم يعج بالمشركين والعراة سنتين كاملتين حيث تم التمهيد المناسب والتفقيه اللازم، والتهيئة النفسية الكاملة وتم بعد هذا كله إلغاء هذه المظاهر الماجنة في ظل الكعبة.

إنه نداء حار إلى الشباب كي يفقه هذا الدرس في أعظم صور المفاصلة بين الإسلام والشرك ومع هذا وضع له مدى أربعة أشهر لإلغاء التجمع ومدى سنة كاملة لتنفيذ الحكم الإسلامي الكامل في البيت الحرام وغيره وإعلان الحرب على الوجود المشرك، كان في بلاغات لا

<<  <  ج: ص:  >  >>