للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلَ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ، كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ فَلَا يُكْرَهُ. كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي الْفَصِّ.

قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ)؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ

وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ

(وَإِنْ كَانَ

لَيْسَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ. بَلْ بِوُجُودِ مُمَاسَّةِ الْيَدِ بِالْإِنَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ لِلْمُمَاسَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْحُرْمَةِ كَمَا سَيَجِيءُ مِنْ وُجُوبِ الِاتِّقَاءِ عَنْ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ أَوْ الْمُضَبَّبِ وَقْتَ الشُّرْبِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى.

أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي زَعَمَهُ حَقًّا النَّقْضُ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُمَاسَّةُ الْيَدِ بِالْآنِيَةِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا شَكٍّ، فَالْمُخْلَصُ الْكُلِّيُّ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمَصِيرِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ وَغَيْرِهِ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِنَاءُ الْمُفَضَّضُ أَوْ الْمُضَبَّبُ فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِصِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ لَوْحٍ وَفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ مِنْهُ مُمَاسَّةَ الْعُضْوِ بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا صَاحِبَاهُ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَصْلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ

(قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلُ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ) جَمْعُهَا فِي التَّعْلِيلِ جَرْيًا عَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَ أَبَا يُوسُفَ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ فِيمَا قَبْلُ.

وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَافِي فَأَفْرَدَهُ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِعُمُومِ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْكَافِي: قُلْت وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَصِدْقُهُ عَلَى الْمُفَضَّضِ وَالْمُضَبَّبِ مَمْنُوعٌ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ رَدًّا لِمَا فِي الْكَافِي مِنْ احْتِجَاجِ أَبِي يُوسُفَ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ لَمْ يَعُمَّ الْمُفَضَّضَ وَالْمُضَبَّبَ عِبَارَةُ يَعُمُّهُمَا دَلَالَةً كَعُمُومِهِ لِلِادِّهَانِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، وَكَعُمُومِهِ لِلْأَكْلِ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالِ بِمِيلِ الذَّهَبِ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْمَدَارَ فِي كُلِّهَا تَنَاوُلُ النَّهْيِ الْوَارِدِ الْمَذْكُورِ لِكُلٍّ مِنْهَا دَلَالَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حُجَّتُهُمَا الْعُمُومَاتُ الْوَارِدَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ فَكُرِهَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْإِنَاءِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّشَبُّهِ بِالْأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ. فَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُكْرَهُ، بِخِلَافِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ وَالْمِنْطَقَةِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ نَصًّا، أَمَّا هَاهُنَا بِخِلَافِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ذَلِكَ الْبَعْضُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت لَوْ ثَبَتَ هَذَا كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ ، لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا خَالِيًا عَنْ زِيَادَةِ " أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ " وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: رُدَّ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ احْتِجَاجِ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى.

أَقُولُ: عَدَمُ وِجْدَانِهِ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِيمَا رَآهُ مِنْ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرَ مَحَلَّهَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ طَرِيقَ إخْرَاجِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُجَرَّدَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ رَدًّا لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>