للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ) مَعْنَاهُ: إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ قَوْلَهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ.

قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُمْ اسْتِصْحَابُ الشُّهُودِ عَلَى الْإِذْنِ عِنْدَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُبَايَعَةِ فِي السُّوقِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهُ لِمَا قُلْنَا (قَالَ وَيُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إلَّا قَوْلُ الْعَدْلِ)، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيمَا بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ،

فَلَوْ شَرَطْنَا شَرْطًا زَائِدًا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ

فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهَا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا

وَهُوَ لَيْسَ مِنْ فُرْسَانِ مَيْدَانِ عِلْمِ الْحَدِيثِ كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ) أَقُولُ: كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ هُنَا كَوْنُ قَوْلِ الْكَافِرِ مَقْبُولًا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ سَوَاءٌ تَضَمَّنَ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ، لَا كَوْنُ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ مِمَّا يُؤْكَلُ دُونَ ذَبِيحَةِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَقَدْ مَرَّ مُسْتَوْفًى، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَصَالَةَ الثَّانِي كَمَا تَرَى. ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ بَدَلِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَكَانَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ، وَكَانَ أَوْفَقُ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَبَرُّكًا بِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ: يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحِلَّ لَا مَحَالَةَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُرَجَّحَةٌ عَلَى الْحِلِّ دَائِمًا انْتَهَى.

أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحِلِّ بِقَوْلِهِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ رَكَاكَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَسِعَهُ أَكْلُهُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ فِي الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِهِ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. وَلَا حَاصِلَ لَهُ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ.

وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ: أَيْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ الْحِلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حِلِّ أَكْلِ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ: أَيْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ اشْتَرَيْته مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حُرْمَةِ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا لِمَا قُلْنَا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ انْتَهَى.

أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ نَفْسَ الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، بِخِلَافِ إهْدَاءِ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْهَدَايَا فَإِنَّهَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِيهِمْ بِلَا مَجَالِ النَّكِيرِ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: وَلِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي إهْدَاءِ مَوَالِيهِمْ أَنْفُسَهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ لِإِمْكَانِ إهْدَائِهِمْ عَلَى أَيْدِي غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَوْ الصِّبْيَانِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَصْلًا نَادِرٌ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ مُؤَدِّيًا إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ إهْدَاءِ الْهَدَايَا مُطْلَقًا عَلَى أَيْدِي غَيْرِ جِنْسِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَالصِّبْيَانِ فَإِنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا سِيَّمَا فِي إهْدَاءِ الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ (قَوْلُهُ وَيَقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلَ الْفَاسِقِ وَلَا يَقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إلَّا قَوْلَ الْعَدْلِ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: قِيلَ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ إخْبَارَ الْمُمَيِّزِ الْغَيْرِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي مِثْلِ الْوَكَالَةِ وَالْهَدَايَا

<<  <  ج: ص:  >  >>