للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَهِيَ فِي غَيْرِهَا ظَنِّيَّةٌ،

مَاءَ الْعِنَبِ وَغَيْرَهُ، وَأَنَّ الْعُمُومَ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَهِيَ فِي غَيْرِهَا ظَنِّيَّةٌ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: بَيَانُهُ أَنَّ النِّيءَ الْمُسْكِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرٌ قَطْعًا وَيَقِينًا لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُرْمَةُ الْقَطْعِيَّةُ، فَأَمَّا سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهَا خَمْرًا شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ تَتَرَتَّبُ الْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ قَطْعًا عَلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ بِالشُّبْهَةِ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ انْتَهَى

أَقُولُ: فِي هَذَا الْبَيَانِ خَلَلٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهِ مَدَارَ كَوْنِ الْحُرْمَةِ فِي غَيْرِ النِّيءِ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ظَنِّيَّةً اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ خَمْرًا وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ إذْ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِ بَيَانِ بُطْلَانِ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ وَإِثْبَاتِ أَنَّ غَيْرَ النِّيءِ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا

فَلَوْ كَانَ مَدَارُ ظَنِّيَّةِ حُرْمَةِ غَيْرِ ذَلِكَ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْخَمْرُ هِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِخَمْرٍ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةَ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّا خَالَفْنَا فِي كَوْنِ غَيْرِ ذَلِكَ خَمْرًا وَقُلْنَا: إنَّ اسْمَ الْخَمْرِ مَخْصُوصٌ بِالنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَوْرَثَ خِلَافُنَا فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي كَوْنِهِ خَمْرًا فَلَمْ تَكُنْ حُرْمَتُهُ قَطْعِيَّةً

وَفِي هَذَا مُصَادَرَةٌ كَمَا تَرَى

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ هَذَا الْمَقَامِ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَتَكُونُ قَطْعِيَّةً، وَمَا هُوَ قَطْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ، وَكَوْنُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا قَطْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ فَيَثْبُتُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ انْتَهَى

أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ اسْتِلْزَامِهِ الْمُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَكَوْنُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا قَطْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَوْنِهِ خَمْرًا فَيَئُولُ إلَى مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا ارْتِبَاطَ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ غَيْرَ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ مِمَّا وَقَعَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حَقِّهِ، فَاللَّازِم مِنْهُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَتُهُ ظَنِّيَّةً، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً فَتَكُونُ حُرْمَةُ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ قَطْعِيَّةً لَمْ يَكُنْ التَّفْرِيعُ صَحِيحًا قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ فَتَكُونُ حُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةً لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ دَلِيلَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ قَطْعِيٌّ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي صَدْرِ بَيَانِهِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَتَكُونُ قَطْعِيَّةً، وَمَا هُوَ قَطْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ

فَالْحَقُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصْرَفَ تَحْرِيمُهَا إلَّا إلَى عَيْنٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ قَطْعًا، وَغَيْرُ النِّيءِ لَيْسَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ لِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ انْتَهَى

فَإِنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ الِاجْتِهَادَ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا حَتَّى يَلْزَمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، بَلْ أَرَادَا بِهِ الِاجْتِهَادَ فِي عَدَمِ حُرْمَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ فِي الْعَصِيرِ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَنَا

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَقَالَ فِي نَقِيعِ التَّمْرِ بَعْدَ بَيَانٍ: إنَّهُ حَرَامٌ

وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَقَالَ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ بَعْدَ بَيَانٍ: إنَّهُ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ

ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ طَعَنَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>