للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فَصَارَتْ سَالِمَةً لَهُ مَعْنًى. .

قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَاسْتَوْعَبَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَالْمَشْجُوجُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اقْتَصَّ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ يَبْتَدِئُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ) لِأَنَّ الشَّجَّةَ مُوجِبَةٌ لِكَوْنِهَا مَشِينَةٌ فَقَطْ فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا، وَفِي اسْتِيفَائِهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْرَ حَقِّهِ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيَنْتَقِصُ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ، وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ.

يَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ، فَقُلْنَا: يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَذْلِ بِالْأَطْرَافِ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَانِعًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَا لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا بَلْ مُوجِبًا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ كَالشَّلَلِ فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَهِيَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ فِي الْأَطْرَافِ دُونَ الْبَذْلِ مُتَمَشِّيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ الْمَالِيِّ أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ أَيْضًا مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الشَّلَلِ مِمَّا لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقِيمَةُ الْيَدِ تَتَفَاوَتُ بِالصِّحَّةِ وَالشَّلَلِ قَطْعًا، فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ حُكُومَةَ عَدْلٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الدِّيَاتِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأَطْرَافِ مُخْتَلِفٌ فَصَارَتْ كَالصَّحِيحِ وَالْأَشَلِّ.

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ قُلْنَا: نَعَمْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِسَبَبٍ حِسِّيٍّ كَالشَّلَلِ وَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَصَابِعِ فَهُوَ كَمَا قُلْت: يَعْنِي يُمْنَعُ اسْتِيفَاءُ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِيفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ إذَا كَانَ لِمَعْنَى حِسِّيٍّ فَمَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا رَضِيَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُجْعَلُ مُبْرِئًا لِبَعْضِ حَقِّهِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا بَقِيَ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَوْفَى الْأَكْمَلُ بِالْأَنْقَصِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْقَاطِعُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرِّضَا بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَحِلُّ اسْتِيفَاءُ الطَّرَفِ بِالْبَذْلِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَلَا وَجْهَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْبَعْضِ وَلَا بِطَرِيقِ الْبَذْلِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ.

أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَاوُتِ الْحِسِّيِّ وَبَيْنَ التَّفَاوُتِ الْحُكْمِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ تَحَكُّمٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ فَصَاحِبُ الْأَكْمَلِ إنْ رَضِيَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الْأَنْقَصِ مِنْ صَاحِبِ الْأَنْقَصِ بِمُقَابِلَةِ الْأَكْمَلِ يَصِيرُ مُسْقِطًا لِبَعْضِ حَقِّهِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا بَقِيَ بِالضَّرُورَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ أَمْرًا حِسِّيًّا أَوْ أَمْرًا حُكْمِيًّا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَنْقَصِ، فَإِنْ رَضِيَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ صَاحِبُ الْأَنْقَصِ الْأَكْمَلَ بِمُقَابَلَةَ الْأَنْقَصِ يَصِيرُ بَاذِلًا لِزِيَادَةِ حَقِّهِ بِالضَّرُورَةِ أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَ كَوْنِ سَبَبِ التَّفَاوُتِ حِسِّيًّا أَوْ حُكْمِيًّا، وَالْبَذْلُ فِي الْأَطْرَافِ غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إسْقَاطُ الْحَقِّ بِالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ فَجَائِزٌ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَلَا مَجَالَ لِلْفَرْقِ الْمَزْبُورِ. فَإِنْ قُلْتَ: السَّبَبُ الْحُكْمِيُّ لَا يُفِيدُ التَّفَاوُتَ الْحَقِيقِيَّ، وَإِسْقَاطُ الْبَعْضِ وَبَذْلُ الزِّيَادَةِ فَرْعُ التَّفَاوُتِ الْحَقِيقِيِّ فَهَذَا مَدَارُ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ.

قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحَقِّ وَبَذْلِ زِيَادَتِهِ فَرْعُ التَّفَاوُتِ الْحِسِّيِّ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ الْغَيْرِ الْحِسِّيَّةِ يَجْرِي فِيهَا الْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ، فَلَا جَرَمَ يَكُونُ الرِّضَا بِالنَّاقِصِ مِنْهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ الْكَامِلَ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ، وَيَكُونُ إيفَاءُ الْكَامِلِ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>