إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ ذَلِكَ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجُرْحِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِ الْمَحِلِّ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى، وَبَعْدَ السِّرَايَةِ لَوْ وَجَبَ شَيْءٌ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا قَلَّتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ ضَمَانٌ فَلَا تَتَخَالَفُ النِّهَايَةُ وَالْبِدَايَةُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى.
عَلَى مَا هُوَ الْمَأْلُوفُ فِي نَظَائِرِهِ فَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُ كَوْنُ قَوْلِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ خَرَجَ بِالِارْتِدَادِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا فَصَارَ مُبْرَأً عَنْ الْجِنَايَةِ، إذْ الضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْعِصْمَةَ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيهَا. وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي وَجْهِ الْفَرْقِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْعِصْمَةَ إلَّا أَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْمَحِلِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَوْلَى أَيْضًا مُبَرَّأً عَنْ ضَمَانِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي قِيمَتِهِ؛ أَلَّا يَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ صَارَ مُبْرِئًا لِلْغَاصِبِ عَنْ الضَّمَانِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؟ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْمَزْبُورَ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّمْيِ إلَّا فِي صُورَةِ الِارْتِدَادِ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الْفَسَادِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو يُوسُفَ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي صُورَةِ الِارْتِدَادِ لَمَا صَحَّ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ صَارَ بِالِارْتِدَادِ مُبْرَأً عَنْ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ كِبَارُ الْمَشَايِخِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُمَا يَقُولَانِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَلِهَذَا وَافَقَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: يَعْنِي الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ فِي الْكِتَابِ وَنَظَائِرَهَا، إلَّا أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا ارْتَدَّ صَارَ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ الدِّيَةِ بِإِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ، كَمَا إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِإِعْتَاقِ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُمَا إنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبْرَأً عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبْرَأً عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَأَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا حَالَةَ الرَّمْيِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الرَّجْمِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّمْيِ ثُمَّ تَمَجَّسَ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، إلَّا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ فِي مَسْأَلَةِ إنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ أَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ يَصِيرُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ الضَّمَانِ، وَلِهَذَا قَالَا: يَصِيرُ بِالِارْتِدَادِ مُبْرَأً، وَالْإِبْرَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالِارْتِدَادِ لَا يَصِيرُ مُبْرَأً، لِأَنَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبْرَأً عَنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ) أَقُولُ: لِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute