للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ قَتْلًا فِي الْغَالِبِ لَا جِنَايَةً مُقْتَصِرَةً مُنْفَرِدَةً بِحُكْمٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لُغَةً، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ يُسَمَّى جِرَاحَةً، وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ فِي غَيْرِهِمَا نَحْوُ السَّاقِ وَالْيَدِ لَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَالشَّيْنُ يَخْتَصُّ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْعُضْوَانِ هَذَانِ لَا سِوَاهُمَا. وَأَمَّا اللَّحْيَانِ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيهِمَا مَا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجِهَةِ، وَلَا مُوَاجِهَةَ لِلنَّاظِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجِهَةِ أَيْضًا.

قَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: نَعَمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَقَالُوا الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا تَنَاوَلَتْ مَا فِي جَوْفِ الرَّأْسِ أَيْضًا كَانَتْ مِنْ الشِّجَاجِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّأْسِ فَتَدْخُلُ فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ مِمَّا وَقَعَ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لُغَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَكَذَلِكَ تَخْتَصُّ بِالْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْإِيضَاحِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنُ دَاخِلٌ فِي الْوَجْهِ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ، لِأَنَّ الْمُوَاجِهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْفَصْلِ حَتَّى صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنْفُسُهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الذَّقَنَ مِنْ الْوَجْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَظْمُ الَّذِي تَحْتَ الذَّقَنِ وَهُوَ اللَّحْيَانِ مِنْ الْوَجْهِ أَيْضًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَمَالِكٍ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ يَشْمَلُ الْكُلَّ، فَبَعْدَ ذَلِكَ مَا مَعْنَى أَنْ يُقَالَ: وَكَذَلِكَ تَخْتَصُّ بِالْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنِ أَيْضًا، وَكُلٌّ مِنْ الْعَطْفِ وَأَدَاةِ التَّشْبِيهِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إلْحَاقِ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً، فَفِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَسَامُحٌ انْتَهَى.

وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصَالَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ دَلِيلٌ أَصَالَةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ فِي الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ الدَّلَالَةَ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إلْحَاقِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بِالشِّجَاجِ دَلَالَةً فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فَفِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَسَامُحٌ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ فِي الْجِرَاحَةِ الْكَائِنَةِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا إلَخْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَصَالَةً كَانَ حَقُّ الْأَدَاءِ أَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّهُ بِلَا تَسَامُحٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ إنَّمَا غَرَّهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَا هُنَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْأَثَرَ بِالتَّقْدِيرِ جَاءَ فِي الشِّجَاجِ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُمَا بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَالشَّيْنُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبَدَنِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ انْتَهَى.

وَلَكِنْ لِتَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ شَأْنٌ آخَرُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجِهَةِ أَيْضًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُ اللَّحْيَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هَا هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَسْلُهُمَا فَرْضًا فِي الطَّهَارَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هَا هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>