يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ. قَالَ (وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ)
يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) أَيْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَرِيمِ بِلَا حُجَّةٍ (فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْقَبْضِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدِّينِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فَبِأَيِّ دَلِيلٍ ثُبُوتُ الْوِكَالَةِ؟ وَلَوْ قِيلَ بِسَبَبِ ادِّعَاءِ الْمَدْيُونِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ الْوِكَالَةِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوِكَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُسْتَوْفًى مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَانَ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِيفَاءِ بَاطِلًا لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى؟ قُلْنَا: لَمَّا ادَّعَى الْغَرِيمُ اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدِّينِ دَيْنَهُ كَانَ هُوَ مُعْتَرِفًا بِأَصْلِ الْحَقِّ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ قَضَيْتُكَهَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي ذَلِكَ، فَلَمَّا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ الْوِكَالَةَ كَانَ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ الطَّلَبِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدَّيْنِ عِنْدَ دَعْوَاهُ بِنَفْسِهِ كَانَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ، فَكَذَا عِنْدَ دَعْوَى وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ اهـ.
أَقُولُ: جَوَابُهُ مَنْظُورٌ فِيهِ، إذْ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ ادِّعَاءِ الْغَرِيمِ اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدِّينِ دَيْنَهُ يَتَضَمَّنُ الِاعْتِرَافَ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْوِكَالَةَ بِأَيِّ دَلِيلٍ ثَبَتَتْ، وَمُجَرَّدُ عَدَمِ إنْكَارِ الْوِكَالَةِ لَا يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِثُبُوتِهَا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا يُنَاسَبُ الْحَالَ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا لِلْوِكَالَةِ، فَكَيْفَ إذَا تَكَلَّمَ بِمَا يُشْعِرُ بِإِنْكَارِ الْوِكَالَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوِكَالَةِ إلَى قَوْلِهِ: فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى، فَكَأَنَّ الْغَرِيمَ قَالَ أَنْتَ لَا تَصْلُحُ لِلْوِكَالَةِ أَصْلًا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ حَقَّهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَقَعَ وَكِيلًا عَنْهُ تَدَبَّرْ. وَقَصَدَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ دَفْعَ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرُ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ الْمَالَ ثُمَّ ادْفَعْ رَبَّ الْمَالِ فَاسْتَحْلِفْهُ.
ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ: يَعْنِي بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ مَدَارُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بَلْ مَدَارُ نَفْسِ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اعْتِبَارِ قَيْدِ إقَامَةِ الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِكَالَةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا وَسِعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي بِدَايَتِهِ وَهِدَايَتِهِ وَلِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ فِي تَصَانِيفِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ تَرْكُ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْمُهِمِّ عِنْدَ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ كَوْنَ تَرْكِهِمْ إيَّاهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ اعْتِبَارِهِ، كَيْفَ وَقَدْ ذَهَبَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الثِّقَاتِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَصَاحِبِ التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى ذَهَبُوا إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ، فَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُهُ مِنْ الظُّهُورِ بِحَيْثُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَمَا خَفِيَ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ (قَالَ وَيَتْبَعُ) أَيْ يَتْبَعُ الْغَرِيمُ (رَبَّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ فَيَسْتَحْلِفُ الْغَرِيمُ رَبَّ الْمَالِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute