وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ، لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ
لَمْ يَبْقَ فِي الِاسْتِحْلَافِ فَائِدَةٌ قَطْعًا، قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْ بَعْدَ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: أَقُولُ: هَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ، إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْمَقَامِ حِينَئِذٍ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ عَلَى رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وَرَدَّ الْوَكِيلُ الْجَارِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْآمِرُ وَادَّعَى الرِّضَا وَأَرَادَ أَخْذَ الْجَارِيَةِ فَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَدْفَعَهَا وَقَالَ نَقَضَ الْقَاضِي الْبَيْعَ فَلَا سَبِيلَ لَك، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَعَ الْبَائِعِ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ مِلْكُ الْآمِرِ لِأَنَّ الْبَائِعَ ادَّعَى رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وَلُزُومَ الْجَارِيَةِ إيَّاهُ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ فِي ذَلِكَ فَاسْتَنَدَ التَّصْدِيقُ إلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَيَثْبُتُ بِهَذَا التَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِالرَّدِّ وَأَنَّ قَضَاءَهُ بِالرَّدِّ نَفَذَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْآمِرِ فِي الْبَاطِنِ فَكَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهَا. بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ نَقْضَ الْقَاضِي هَاهُنَا الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّقْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِجَهْلِهِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ تِلْكَ الْكُتُبِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابُ حَيْثُ قَالَ: وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَاسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ تُرَدَّ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، لَكِنَّ النَّقْضَ هَاهُنَا لَمْ يُوجِبْهُ دَلِيلٌ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْجَهْلِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، قَالُوا: هَذَا أَصَحُّ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ بَلْ يُقَوِّيهِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ نَقْضُ الْقَضَاءِ هَاهُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ تَعَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ (وَأَمَّا عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ وَفِي فَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَلَا يُؤَخَّرُ) أَيْ لَا يُؤَخَّرُ الْقَضَاءُ بِالرَّدِّ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يُؤَخَّرُ الْقَضَاءُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ (لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ مَعًا (عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَإِ فِي الْقَضَاءِ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute