للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ

وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا عَلَى مَا عُرِفَ

مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ. فَكَذَا وَكَالَتُهُ لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ (فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ) أَيْ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ السَّابِقُ (وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ) حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللَّحَاقِ (وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ) أَيْ مَرَّ كَوْنُ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا مَعَ ذِكْرِ دَلِيلِ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ.

وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْمَقَامَ حَيْثُ قَالَ: فِيمَا نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرٌ. إذْ الْمُرْتَدُّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا صَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِذَلِكَ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السِّيَرِ إنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَتَوَقَّفْنَا، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَالْعَدَمِ وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمَلُ السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ كَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ بِمُجَرَّدِ لَحَاقِهِ عِنْدَهُ اهـ كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ مَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَنْ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ مَا يُبْطِلُهُ الِارْتِدَادُ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِ أَهْلِهَا مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ فِي قَوْلِهِمْ اهـ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي اللَّحَاقِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ.

فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاللَّحَاقِ لِدَارِ الْحَرْبِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بِهَا. قُلْت: ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ. فَإِنْ جَازَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ وَالْقَوَاعِدِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا حَتَّى تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَيَتَلَخَّصُ عَنْ التَّكَلُّفِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ فِي تَخْصِيصِهَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ اللَّحَاقُ مَعَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ دُونَ مُجَرَّدِ اللَّحَاقِ فَالْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةٌ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَنْزِ: وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِاللَّحَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْوَكَالَةِ اللَّحَاقُ مَعَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ دُونَ مُجَرَّدِ اللَّحَاقِ أَنَّ أَسَاطِينَ الْمَشَايِخِ قَيَّدُوا اللَّحَاقَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ عِنْدَ بَيَانِهِمْ بُطْلَانَ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ وَاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ لِتَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ وَنَوْعٌ مِنْهَا اخْتَلَفُوا فِي نَفَاذِهِ وَتَوَقُّفِهِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُوقَفُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنْ أَسْلَمَ تَنْفُذُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ تَبْطُلُ، وَعِنْدَهُمَا تَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ اهـ.

وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ أَثْنَاءَ بَيَانِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ لِتَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ: وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِي تَوَقُّفِهِ نَحْوِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَبْطُلُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَنْفُذُ فِي الْحَالِ اهـ.

إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّقَاتِ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ قَالَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ: وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ، إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ وَحُكِمَ بِهِ بَطَلَ اهـ

(وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا) لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (عَلَى مَا عُرِفَ) فِي السِّيَرِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا مِنْ الْهِدَايَةِ: وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>