للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْحَجْرِ وَالْعَجْزِ وَالِافْتِرَاقِ

الْمُوَكِّلَ إذَا ارْتَدَّ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ بِدُونِ اللَّحَاقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَارْتِدَادُهُ بَدَلُ قَوْلِهِ " وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا " انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّ وَكَالَتَهُ لَا تَبْطُلُ قَبْلَ مَوْتِ مُوَكِّلَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَأُخِذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوَكِّلَ إذَا ارْتَدَّ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ بِدُونِ اللَّحَاقِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ ذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ نَافِذٌ قَبْلَ مَوْتِ مُوَكِّلَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ رَجُلًا فَارْتَدَّ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِنَافِذٍ هُنَاكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ ارْتِدَادِ مُوَكِّلِهِ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَانْتَظَمَ السِّبَاقُ وَاللَّحَاقُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْوَكِيلِ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فِيمَا خَلَا التَّوْكِيلَ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُخْرِجُ الْوَكِيلَ بِالتَّزْوِيجِ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا، فَبَعْدَمَا انْعَزَلَ لَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ) أَيْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَعَادَ إلَى الرِّقِّ (أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ) أَيْ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ (ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ وَكَانَ التَّوْكِيلُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِالْعُقُودِ أَوْ الْخُصُومَات (أَوْ الشَّرِيكَانِ) أَيْ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا بِشَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَلِهِ بِنَفْسِهِ (فَافْتَرَقَا) أَيْ فَافْتَرَقَ الشَّرِيكَانِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ (فَهَذِهِ الْوُجُوهُ) أَيْ الْعَجْزُ وَالْحَجْرُ وَالِافْتِرَاقُ (تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلِمَ). أَيْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ) أَيْ قِيَامُ الْأَمْرِ (بِالْحَجْرِ) فِي الْمَأْذُونِ لَهُ (وَالْعَجْزُ) فِي الْمُكَاتَبِ (وَالِافْتِرَاقُ) فِي الشَّرِيكَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ التَّقَاضِي فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِيَهُ الْعَبْدُ لَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى هُوَ مُطَالِبًا بِإِيفَائِهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ بِعَقْدِهِ، فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْحَجْرِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِمُبَاشَرَةٍ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ وَلِيَهُ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ مَا وَلِيَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَلِهِ، فَمَا الْفَارِقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا وُكِّلَ فِيمَا وَلِيَهُ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَتَانِ: جِهَةُ مُبَاشَرَتِهِ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا، فَإِنْ بَطَلَتْ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُخْرَى وَهِيَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى حَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَتَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَتَوْكِيلِهِمَا فَتَبْقَى فِي حَقِّهِمَا، وَإِذَا وُكِّلَ فِيمَا لَمْ يَلِهِ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا لَا غَيْرُ قَدْ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>