للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ

وَاحِدٍ فَصَارَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّوْكِيلِ.

قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ جَمِيعُهُ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ إلَّا فِي الشَّرِيكَيْنِ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ نَظَرٌ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ، يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت لَك وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ أَمْضَى الَّذِي كَانَ وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا وَكَّلَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ وَكَالَةَ أَحَدِهِمَا جَائِزَةٌ عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمَا يَنْقُضُ الْوَكَالَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ وَكَالَةِ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ أَبْهَمَ الْأَمْرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَلَامِ الْقُدُورِيِّ، وَالْغَالِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَرَادَ بِذَلِكَ الْوَكَالَةَ الثَّانِيَةَ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا الْوَكَالَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ الْقَصْدِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ وَهُوَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ إذَا بَطَلَ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ لَا مَحَالَةَ، وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى، أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ لَا مَحَالَةَ لَيْسَ بِتَامٍّ لَا مَحَالَةَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْوَكَالَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلِهِ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت لَك وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ التَّوْكِيلِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلِهِ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. لَا يُقَالُ: مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ فَلَا يُنَافِيهِ التَّطْبِيقُ بِتَقْيِيدٍ وَتَأْوِيلِهِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى مُشْتَرَكُ الِالْتِزَامِ، فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَهُ أَيْضًا، وَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ كَمَا تَرَى (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ عَزْلٌ عَنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ) إذْ الْعِلْمُ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>