للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَضَعُونَهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» أَوْ قَالَ «حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ. ثُمَّ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا رَوَيْنَا، وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ (وَلَا تَجُوزُ) (بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَ مَا نَفَى وَصِيَّتَهُ

الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْمَوَارِيثَ عَلَى وَصِيَّةٍ نَكِرَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى كَانَتْ مَعْهُودَةً فَإِنَّهَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً مَعَ الْمِيرَاثِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا وَبَيَّنَ بِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ بَعْدَ الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ، لِأَنَّ الْمَحِلَّ مَحِلُّ بَيَانِ مَا فُرِضَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَحَيْثُ رَتَّبَهَا عَلَى وَصِيَّةٍ مُنَكَّرَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمْ تَبْقَ لَازِمَةً بَلْ بَعْدَ أَيِّ وَصِيَّةٍ كَانَتْ نَصِيبُهُمَا ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَإِذَا اُنْتُسِخَ الْوُجُوبُ اُنْتُسِخَ الْجَوَازُ عِنْدَنَا انْتَهَى.

أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ تَبْقَ لَازِمَةً، فَإِنَّ الْمَوَارِيثَ وَإِنْ لَمْ تُرَتَّبْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى الْمَعْهُودَةُ لَكِنَّهَا رُتِّبَتْ عَلَى وَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ حَيْثُ قِيلَ ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا﴾ فَدَخَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى أَيْضًا تَحْتَ إطْلَاقِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمُنَكَّرَةِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ انْتِفَاءُ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى حَتَّى يَلْزَمَ انْتِسَاخُ الْآيَةِ الْأُولَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفَائِدَةُ تَرْتِيبِ الْمَوَارِيثِ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى الْمَعْهُودَةِ فَقَطْ إفَادَةُ تَأَخُّرِ الْمَوَارِيثِ عَنْ الْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَعَنْ هَذَا أَوْرَدَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى مَنْ قَالَ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَا تُعَارِضُهُ بَلْ تُؤَكِّدُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا انْتَهَى.

ثُمَّ إنْ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ " لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا " فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً مَعَ الْمِيرَاثِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَلَعَلَّ هُنَا سَهْوًا، وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لِرُتْبَةٍ عَلَيْهَا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّمَا السَّاهِي نَفْسُهُ، لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ هُوَ الْمِيرَاثُ، وَمُرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ هُنَا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا وَصِيَّةُ الْعِبَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْوَصِيَّةِ تَأَسِّيًا بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ يَأْمُرُكُمْ وَيَعْهَدُ إلَيْكُمْ فِي شَأْنِ مِيرَاثِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ تِلْكَ الْآيَةِ ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ سَهْوٌ بَلْ كَانَ فِيهَا لَطَافَةٌ وَحُسْنٌ.

(قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَمَا نَفَى وَصِيَّتَهُ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرَاحَةً، وَقَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>