للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ فَأَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ مَصِيرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَظْهَرَهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ مِنْ الْإِيثَارِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ

عَلَى الْأَصْلِ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ وَلِهَذَا اُسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا دُونَ ذَاكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا صَرَاحَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا دَلَالَةً لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ. فَجَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَعَدَمُ جَوَازِهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ وَإِنَّ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَا وَجْهَ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهُ عَلَى الْأَصْلِ، فَإِنَّ بَقَاءَ مَا فَوْقَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لَيْسَ بِمَدْلُولِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَلَا مَجَالَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: إلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَفْيُ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ وَإِثْبَاتُ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ لَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى نَفْيِ جَوَازِهَا بِمَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، فَالرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ضَرُورِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ أَيْضًا انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ نَفْيَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ وَإِثْبَاتَ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ جَوَازِهَا بِمَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ «الثُّلُثُ كَثِيرٌ»: بَعْدَ إثْبَاتِ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ بِقَوْلِهِ الثُّلُثَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْطِ الثُّلُثَ أَوْ أَوْصِ الثُّلُثَ، أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ: أَيْ الثُّلُثُ كَافٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مَحْذُوفُ الْفِعْلِ: أَيْ يَكْفِيك الثُّلُثُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الثُّلُثَ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ التَّجَاوُزُ عَنْهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الثُّلُثُ سِوَى نَفْيِ جَوَازِ التَّجَاوُزِ عَنْ الثُّلُثِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ حَيْثُ قَالَ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَ نَفْيِ وَصِيَّتِهِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ، وَلَمْ يَقُلْ لِحَدِيثِ سَعْدٍ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ فَالرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ضَرُورِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ أَيْضًا مَمْنُوعٌ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ فَأَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ) وَأَوْضَحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِأَنْ قَالَ: وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ زَوَالِ أَمْلَاكِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ الْمَوْتِ وَبِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ لَزَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ ثَبَتَ ضَرْبُ حَقِّ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ قُصُورٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا وَقَعَتْ وَصِيَّتُهُ حَالَ مَرَضِهِ لَا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ حَالَ صِحَّتِهِ، إذْ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ مَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، فَلَا تُوجِبُ وَصِيَّتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ، فَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ إيجَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>