للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَصَارَ كَالْمُرْتَهَنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ.

وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الِاتِّصَالِ لَوْ انْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً وَقَعَ الْحُكْمُ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ نُبْطِلَ الْعَفْوَ عَنْ الْجَارِحِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِأَحَدِهِمَا، فَقُلْنَا: لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ نَظَرًا إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَجَازَ الْعَفْوُ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُعْكَسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ مِمَّا لَا مَجَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِيمَا قَبْلُ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْقِلَابَ الْحَقِّ حَقِيقَةً، وَأَنَّ انْقِلَابَ الْحَقِّ حَقِيقَةً مَانِعٌ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ لِاسْتِلْزَامِهِ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ، وَإِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُعْكَسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ غَيْرَ تَامٍّ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ الْعَكْسِ لَوْلَا كَوْنُ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ، مَعَ أَنَّ مَا قَرَّرَهُ فِيمَا قَبْلُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَمْنَعَانِ جَوَازَ ذَلِكَ أَصْلًا. وَبِالْجُمْلَةِ لَا مَجَالَ لِرَبْطِ قَوْلِهِ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ بِمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ فِيمَا قَبْلَهُ بَلْ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، فَالْوَجْهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِصِحَّةِ عَفْوِ الْوَارِثِ عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ: وَكَذَا السَّبَبُ الْجُرْحُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَلَا فَرْقَ. وَقَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامَيْهِ بِمُسْتَقِيمٍ. أَمَّا نَقْضُهُ بِالْجُرْحِ فَلِأَنَّ الْجُرْحَ فِعْلٌ وَاحِدٌ صَادِرٌ عَنْ الْجَارِحِ لَا تَكَرُّرَ فِيهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُرْحُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، بَلْ إنَّمَا السَّبَبُ هُوَ الْجُرْحُ الْوَاحِدُ الصَّادِرُ عَنْ الْجَارِحِ، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَغَيْرَ قَاتِلٍ، وَبِالْمَوْتِ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَاتِلٌ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ حَالَةٌ انْفِعَالِيَّةٌ تَتَكَرَّرُ وَتَتَجَدَّدُ إلَى الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ مِنْهَا هِيَ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَهِيَ السَّبَبُ لِلْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ فَلِأَنَّ فَاءَ التَّفْرِيعِ تُنَافِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>