وَلَوْ أَجَازَ بَعْضٌ وَرَدَّ بَعْضٌ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَبَطَلَ فِي حَقِّ الرَّادِّ.
قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ) فَالْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الْآيَةَ. وَالثَّانِي لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الْآيَةَ.
وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ " بِقَوْلِهِ: أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا وَغَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا زَمَانَ الْمَوْتِ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا صَحَّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إيجَابٌ فِي الْحَالِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْحَالِ وَيَصِحُّ رَدُّهُ فِي الْحَالِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ مِمَّا يُنَافِيهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِأَنْ أَقَرَّ الْأَخُ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ صَحَّ إقْرَارُهُ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا كَلِمَاتٌ مُفَصَّلَةٌ غَيْرُ خَالِيَةٍ عَنْ الِاخْتِلَالِ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِهَا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا وَبَيَانَ اخْتِلَالِهَا مَخَافَةً مِنْ الْإِطْنَابِ الْمُمِلِّ.
(قَوْلُهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَرَادَ بِهِ الذِّمِّيَّ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَالتَّعْلِيلُ وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّمَا هُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الْقُدُورِيِّ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ دُونَ مُطْلَقِ الْكَافِرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْحَرْبِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُوَ الْحَرْبِيُّ الْغَيْرُ الْمُسْتَأْمَنِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْجَامِعِ هَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ هُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَبَقِيَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ خَارِجًا عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَكَيْفَ تَكُونُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْكَافِرِ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ هُوَ الذِّمِّيُّ دُونَ مَا يَعُمُّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ لِلذِّمِّيِّ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّمِّيِّ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِ الْمُصَنِّفِ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِالْكَافِرِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ بِذَلِكَ فِي نَفْسِهِ هُوَ الذِّمِّيُّ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْحَرْبِيِّ الْغَيْرِ الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا إيَّاهُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ) قَالَ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ، فَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute