قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، وَأَبَدًا يُبْدَأْ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. (إلَّا أَنْ يُبَرِّئَهُ الْغُرَمَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا.
قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصِحُّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ لِأَنَّ عُمَرَ ﵁ أَجَازَ وَصِيَّةَ يَفَاعٍ أَوْ يَافَاعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى، وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ يَبْقَى عَلَى غَيْرِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَلْزُومٍ وَفِي تَصْحِيحِ وَصِيَّتِهِ قَوْلٌ بِإِلْزَامِ قَوْلِهِ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ مَجَازًا أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا،
فَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ عَدَمُ ثُبُوتِ وِلَايَةِ رَدِّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُوصِي عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ لِرُجُوعِ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّةِ مَا بَاعَهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِبَيْعِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ لَا لِكَوْنِ الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ مِلْكٍ جَدِيدٍ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ مَنْقُوضٌ بِالْوَصِيَّةِ بِنَحْوِ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. فَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ الْبَسْطُ بِأَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَأَدَاؤُهُ فَرْضٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ ﷾ الْفَائِتَةِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَيًّا مَا كَانَ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا. أَمَّا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا فِي الشِّقِّ الثَّانِي فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَا لِاحْتِيَاجِ الْعَبْدِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ مَجَازًا) يَعْنِي كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ، وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي، لِأَنَّهُ صَرَّحَ الرَّاوِي بِأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يُسَمَّى ذَلِكَ وَصِيَّةً بِتَجْهِيزِ نَفْسِهِ، وَكَيْفَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كَانَ أَدْرَكَ لَكِنْ سُمِّيَ غُلَامًا مَجَازًا لِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ انْتَهَى. وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَاصِلَ نَظَرِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ وَأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّأْوِيلُ بِكَوْنِهِ يَافِعًا مَجَازًا أَوْ يَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي التَّجْهِيزِ وَأَمْرِ الدَّفْنِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ مَعْنَى الْيَافِعِ حَقِيقَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ الْجَوَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute