وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ،
فِي الْكِتَابِ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرَ مُعَيِّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ كَمَا فِي اسْمِ الْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَالِ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَنَقَلُوا عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا.
وَقَوْلُهُ وَبِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ الْمُوصِي كَانَ الثُّلُثُ لِلَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ بَنِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هُنَاكَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ سِيَّمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ الِاتِّفَاقُ بِذَلِكَ وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: ثُمَّ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْشَأَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ بِذَاكَ بَلْ خُصُوصِيَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا غَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا وَلُغَةً إذَا قِيلَ أَوْصَيْت لِمَا فِي بَطْنهَا بِكَذَا كَوْنُهُ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا وَقْتَئِذٍ لَا يَكَادُ يَصِحُّ، إذْ لَا نُسَلِّمُ جِدًّا أَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا وَلُغَةً إذَا قِيلَ أَوْصَيْت لِمَا فِي بَطْنِهَا بِكَذَا كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَئِذٍ، بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِثُبُوتِ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ أَسَاطِينِ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا أَصْحَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ لَا يَنْتَبِهُوا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ عُرْفًا وَلُغَةً، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ فَضْلًا عَنْ الْغَفْلَةِ عَنْهُمَا مَعًا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِمَا ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ فِي بَطْنِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ، بَلْ الْمَعْنَى لِمَا ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ فِي بَطْنِهَا.
وَأَمَّا كَوْنُ ثُبُوتِهِ فِي وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا الْمُعَيَّنُ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ مَحِلُّ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بِأَنْ قَالَ: وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْوَصِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ وُجُودِهِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وَقْتَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ وَاعْتِبَارِهَا فِي الْحُكْمِ وَقْتُ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي هُنَا اضْطِرَابًا لِأَنَّهُ دَلَّ أَوَّلُهُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فِيهِمَا: أَيْ فِي الْمُوصَى لَهُ وَبِهِ، وَآخِرُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي. قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْوِرَاثَةُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوِصَايَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ مَتَى جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ انْتَهَى.
فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ مُقَدَّرًا فِي قَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَ الْمَعْنَى مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ هُوَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوصِي فَيُوَافِقُ أَوَّلُ كَلَامِهِ آخِرَهُ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْوَجْهِ لِيُوَافِقَ كَلَامُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَثَانِيهُمَا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِإِيرَادِ آخِرِ كَلَامِهِ مُخَالِفًا لِأَوَّلِهِ هُوَ الْإِشَارَةُ إلَى وُقُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا وُجُودُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ كُلٌّ مِنْ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ.
ثُمَّ إنَّهُ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ وَآخِرُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي آخِرِهِ إنَّمَا هُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ لَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَأَمَّا الثَّانِي وَلَا رَيْبَ أَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ هُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ. ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَذَكَرَ فِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ أَيْضًا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَوْلِهِ بِالْحَمْلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْهُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ بِمَا إذَا أَوْصَى لَهُ.
نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي آخِرِ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَمْلِ، وَبِهَذَا تُرَدُّ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ وَالْمَخْلَصُ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَلِأَنَّهُ