الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَأَنَّهُ بِتَنَاوُلِ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَالثَّلَاثَةُ لِلثَّلَاثِ.
قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ فَنِصْفُهُ لِفُلَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَانِ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مِسْكِينَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ
إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، وَبَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا فَالْعِتْقُ يَحُلُّهَا وَهِيَ أَمَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَمَتِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ رَقَبَتِهَا بَاطِلَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا إلَى حَالِ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِيصَائِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لَا بَاطِلَةً، وَالصَّحِيحَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى الذَّخِيرَةِ.
أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَبَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا مَمْنُوعٌ، بَلْ حَالُ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا إنَّمَا هِيَ حَالَ مَوْتِ مَوْلَاهَا لَا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ حِينَ مَوْتِ مَوْلَاهَا وَلَا يُنْتَظَرُ عِتْقُهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهِيَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حُرَّةٌ فَلَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَصِيَّةً لِلْأَمَةِ فِي شَيْءٍ، فَلَمْ يَتِمَّ وَجْهُ الْقِيَاسِ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى مَا تَكَلَّفُوهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيَّ عَنْ هَذَا قَالَا: أَمَّا جَوَازُ الْوَصِيَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَلِأَنَّ أَوْ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَصِيَّةِ وَعَمَلِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَّ حَرَائِرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْهُمَا. ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِعَبْدِهِ جَائِزَةٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ فَكَيْفَ لَمْ تَصِحَّ لَهَا الْوَصِيَّةُ قِيَاسًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ لِلْعَبْدِ إنَّمَا جَازَتْ لِتَنَاوُلِهِ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّةً بِرَقَبَتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ يَصِحُّ مُنَجَّزًا أَوْ مُضَافًا بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ إعْتَاقًا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٌ أَصْلًا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ أَمَّا إنْ صَادَفَتْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَلَوْ كَانَ بِالْوَصِيَّةِ أَيْضًا تَوَارَدَ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ السُّؤَالَ الثَّانِيَ وَجَوَابَهُ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا قَبْلَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرَهُ، لِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا السُّؤَالِ إنْ كَانَ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ فَالشِّقُّ الْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالشِّقُّ الثَّانِي مُخْتَارٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ قَدْ عُلِمَ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ
(وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute