إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادِ بَابِهِ. وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ تَبَرُّعٌ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ كَتَبَ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِدَةٍ وَكِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ، وَلَوْ كَتَبَ جُمْلَةً عَسَى أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْكَذِبِ. ثُمَّ قِيلَ: يَكْتُبُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبُ مِنْ فُلَانٍ وَصِيِّ فُلَانٍ لِمَا بَيَّنَّا. وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تُعْلَمُ ظَاهِرًا.
قَالَ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ)
فِيمَا وَقَعَ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ: أَيْ يَتَصَرَّفُونَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لَا بِأَمْرِ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ، فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُمْ نِيَابَةً عَنْ أَحَدٍ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ كَانَ عَامًّا لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ عَامًّا لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا. أَمَّا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي حَقِّهِ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ لَهُ بِسَبَبِ صِبَاهُ، كَمَا أَنَّ الْإِذْنَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ لَهُ بِسَبَبِ رِقِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا صَرَاحَةً إلَّا أَنْ صَارَ مَأْذُونًا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ أَدَاءَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْإِذْنِ لَهُ فِي الْكَسْبِ مُحَالٌ، وَالْإِذْنُ فِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ فَلَا غُبَارَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute