قَالَ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مُقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ فَيُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ. وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِبَنِيهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ وَصِيٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَصِيُّ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ)
قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا لِإِثْبَاتِهِمَا
عَلَى الْكَبِيرِ بِالْوِلَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
فَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ. وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا فِي الْكِفَايَةِ رَدَّهُ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ وَلَا يَلِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَلَا يَلِيهِ لَا يُوَافِقُ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ التَّوْجِيهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَلَا يَلِي الْأَبُ الْعَقَارَ كَمَا يَلِي غَيْرُهُ إذْ فِي غَيْرِهِ حِفْظُ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا فِي الْكِفَايَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ.
(فَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ)
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عِلَاقَتِهَا فِيهَا انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْهُ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ فَمُخْتَصَّةٌ بِهَا قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ التَّأْخِيرِ مَا ذَكَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute