مُعَيَّنًا لِأَنْفُسِهِمَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ كَالْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي.
صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَّرَ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا عَارِضَةً غَيْرَ أَصْلِيَّةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَارِضِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنَصِّبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ. قُلْنَا: الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ. فَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا. كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ مِنْ قَضَاءِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَاقْتَفَى أَثَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي.
أَمَّا السُّؤَالُ فَلَا اتِّجَاهَ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّبَهُمَا الْمَيِّتُ إذَا كَانَا عَاجِزَيْنِ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا وَصِيًّا آخَرَ بِلَا رَيْبٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا عَاجِزَيْنِ عَنْهُ وَلَكِنْ سَأَلَا الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا الْآخَرَ وَرَضِيَ بِهِ الْآخَرُ فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا الْآخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي لَوْ سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الرَّجُلَ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِرِضَاهُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُمَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى.
ثُمَّ إنَّ هَذَا حَالَ الضَّمِّ إلَى الْوَصِيَّيْنِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ الثَّالِثَ إلَيْهِمَا أَلْبَتَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، مِنْهَا التَّبْيِينُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَإِذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا، لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ قَالَ فِي بَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي صُورَةِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ انْتَهَى. وَمِنْهَا الْمُحِيطُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَدْخَلْت مَعَهُمَا رَجُلًا آخَرَ سِوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا، بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَقَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ أَدْخَلْت مَعَهُمَا ثَالِثًا. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ ثُمَّ أَبَى فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ رَدُّهُ وَإِبَاؤُهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّ قِيَاسَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ بِقَوْلِهِ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا تُهْمَةَ هُنَاكَ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَمَا بَيَّنُوا، وَأَيْضًا الْقَاضِي يَحْتَاجُ هُنَاكَ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي زَعْمِ الْمُجِيبِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ، وَمُجَرَّدُ الْمُشَابَهَةِ فِي جِهَةٍ لَا يُصَحِّحُ الْقِيَاسَ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَقَامَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ وُجُوبَ كَوْنِ الْمَضْمُونِ هَذَا الْمُدَّعَى أَثَرُ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُتَّهَمِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَإِيجَابِهِ، لَا فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ كَمُؤْنَةِ التَّعْيِينِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُسْقِطُ عَنْ الْقَاضِي مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوِصَايَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute