للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.

الْجُمْلَةَ الْمَزْبُورَةَ حَالِيَّةً مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ فَعَلَيْك الِاخْتِبَارُ ثُمَّ الِاخْتِيَارُ (وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ غَائِبًا وَادَّعَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ أَنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنَ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَمْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ اهـ.

وَقَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ: إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ بَيَانَ الْقِيمَةِ، وَإِذَا كَلَّفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كَلَّفَهُ بَيَانَ الْقِيمَةِ فَقَدْ أَضَرَّ بِهِ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ مِنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي: فَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ عَنْ مُمَارَسَتِهِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْكَافِي: أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ انْتَهَى.

أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَائِدَةِ جَارٍ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، فَيَقْتَضِي صِحَّةَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى كَوْنَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا غَيْرَ مَجْهُولٍ، وَأَنَّ رِوَايَةَ صِحَّةِ دَعْوَى الْعَيْنِ مَعَ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ فَقَطْ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَفْعِهِ إنَّ مُجَرَّدَ جَرَيَانِ الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْ عِلَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لَهَا غَيْرِ فَائِدَةٍ مُتَرَتِّبَةٍ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنُوا تَحَقُّقَ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى فِي صُورَةِ دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. وَبَقِيَ بَيَانُ الْفَائِدَةِ فِيهَا فَبَيَّنَهَا صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغَرَرِ، بِخِلَافِ سَائِرِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا عِلَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى فَلَا يُفِيدُ جَرَيَانَ الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا، وَلَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا مِنْ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ، كَمَا إذَا كَانَ لِمُوَرِّثِ رَجُلٍ دُيُونٌ فِي ذِمَمِ النَّاسْ وَلَمْ يَعْرِفْ الْوَارِثُ جِنْسَ تِلْكَ الدُّيُونِ وَلَا قَدْرَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدَهُمَا، فَلَوْ كُلِّفَ ذَلِكَ الْوَارِثُ فِي دَعْوَى تِلْكَ الدُّيُونِ عَلَى الْمَدْيُونِ بِبَيَانِ جِنْسِهَا أَوْ قَدْرِهَا لَتَضَرَّرَ بِهِ، إذْ الْإِنْسَانُ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَالِ مُوَرِّثِهِ وَلَا جِنْسَهُ عِنْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْرِفَهُمَا عِنْدَ كَوْنِهِ فِي ذِمَمِ النَّاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ دَعْوَى مِثْلِ تِلْكَ الدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ الْمَجْهُولَةِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ تُسْمَعُ الدَّعْوَى مَعَ جَهَالَةِ قِيمَةِ الْمُدَّعَى وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ جَهَالَةِ قِيمَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَقَبِلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَمْ يَحْكُمْ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الدَّعْوَى حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>