وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ سَفِيرًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ
فِي الرِّسَالَةِ يَرْجِعُ إلَى الْمُرْسِلِ دُونَ الرَّسُولِ (وَهَذَا) يَعْنِي كَوْنَ الْحُقُوقِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ ﵀ فِي كِتَابِهِ هَذَا مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلٍ عَلَى مُدَّعٍ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ إلَخْ، وَيُرِيدُ بِهِ بِذِكْرِ دَلِيلٍ آخَرَ لَمِّيٍّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ دَلِيلًا إنِّيًّا فَهَاهُنَا لَمَّا بَيَّنَ إنِّيَّةَ كَوْنِ الْحُقُوقِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ بِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِيهَا سَفِيرًا مَحْضًا غَيْرَ مُسْتَغْنٍ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَمِّيَّتَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ) حَتَّى لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ، إذْ الْخِيَارُ يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ فَيُوجِبُ تَرَاخِيَهُ عَنْ السَّبَبِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (إسْقَاطٌ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ.
أَمَّا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، وَهُنَّ فِي الْأَصْلِ خُلِقْنَ حَرَائِرَ وَالْحُرِّيَّةُ تَسْتَدْعِي انْتِفَاءَ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهَا، إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ نَوْعَ مِلْكٍ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِالنِّكَاحِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّسْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِمَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْحُرِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لِلْحُرْمَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي. وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إسْقَاطًا (فَيَتَلَاشَى) أَيْ فَيَضْمَحِلُّ (فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ) أَيْ صُدُورُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ) كَمَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ (فَكَانَ سَفِيرًا) أَيْ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَفِيرًا مَحْضًا.
فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْحُكْمِ بَلْ فِي الْحُقُوقِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؟ قُلْت: إنَّهُمْ قَالُوا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِعِبَارَتِهِ، وَهَا هُنَا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ الْحُكْمُ عَنْ الْعِبَارَةِ لِكَوْنِهَا لِلْإِسْقَاطِ، فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْوَكِيلِ أَوْ تَنْتَقِلَ الْعِبَارَةُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ التَّوْكِيلَ وَيُنَافِي الْإِضَافَةَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ سَفِيرًا
(وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى مُوَكِّلِهِ (مِنْ أَخَوَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ الَّتِي بَيْنَهُنَّ أُخُوَّةٌ: أَيْ مُشَارَكَةٌ فِي الْحُكْمِ (الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute