وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ﵀
قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ
مَعْهُودٌ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ (وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، فَلَوْ رُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لَزِمَ الْمُخَالَفَةُ لِهَذَا النَّصِّ فَقَدْ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا تَرَى (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ فِي عَدَمِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَحَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَى، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ﵊ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ حَتَّى صَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ فَلَا يُعَارِضُهُ، عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَدْ رَدَّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لَهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» وَيُرْوَى «أَنَّهُ ﵊ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ». وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ رَدَّهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ وَأَنْكَرَهُ سَهْلٌ فَلَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَمَا أَنْكَرَهُ الرَّاوِي فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْمَشَاهِيرِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَضَى تَارَةً بِشَاهِدٍ: يَعْنِي بِجِنْسِهِ وَتَارَةً بِيَمِينٍ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ رَكِبَ زَيْدٌ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَةَ، وَالْمُرَادُ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلَئِنْ سَلَّمَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْجَمْعَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَبَرُ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْمَشَاهِيرِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلسَّبَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute