وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى)
بِأَنْ يَقُولَ هَذَا مِلْكِي وَلَا يَقُولُ هَذَا مِلْكِي بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، وَقَيَّدَ الْمِلْكَ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرَّخَا وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ هَذَا، فَإِنْ قِيلَ: أَمَا انْتَقَضَ مُقْتَضَى الْقِسْمَةِ حَيْثُ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؟ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا مِنْ حَيْثُ مَا ادَّعَى مِنْ زِيَادَةِ النِّتَاجِ وَالْقَبْضِ وَسَبْقِ التَّارِيخِ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مُدَّعٍ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ الْيَمِينُ لِكَوْنِهِ إذْ ذَاكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؟ قُلْت: لَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَعْجِزْ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَوَابِهِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُدَّعِيًا لَصَدَقَ تَعْرِيفُهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَيُجْبَرُ هُوَ عَلَيْهِ.
وَعَلَى جَوَابِهِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي بِأَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ الْيَمِينُ عِنْدَ عَجْزِ ذِي الْيَدِ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَا تَمْشِيَةَ لِسُؤَالِهِ أَصْلًا؟ أَقُولُ: إيرَادُهُ الثَّانِي مُتَوَجِّهٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ كُنْت كَتَبْته فِي مُسَوَّدَاتِي قَبْلَ أَنْ أَرَى مَا كَتَبَهُ، وَأَمَّا إيرَادُهُ الْأَوَّلُ فَمُنْدَفِعٌ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْخَارِجِ لِمَا فِي يَدِهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الْخَارِجُ إنَّمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ عَلَى ذِي الْيَدِ اسْتِحْقَاقَهُ لِمَا فِي يَدِهِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ دَعْوَى ذِي الْيَدِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ دَعْوَى تَابِعَةٌ لِدَعْوَى الْخَارِجِ حَيْثُ يَقْصِدُ بِهَا ذُو الْيَدِ دَفْعَ دَعْوَى الْخَارِجِ لَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٍ مَقْصُودَةٍ بِالْأَصَالَةِ، فَمَتَى جَرَى الْخَارِجُ عَلَى دَعْوَاهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ذُو الْيَدِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَيُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ دَعْوَى ذِي الْيَدِ وَالْخُصُومَةُ مَعَهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْخَارِجُ دَعْوَاهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ ذُو الْيَدِ شَيْئًا لِكَوْنِ دَعْوَاهُ تَابِعَةً لِدَعْوَى الْخَارِجِ، وَتَرْكُ الْمَتْبُوعِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ التَّابِعِ فَلَا يُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَعَهُ أَصْلًا، وَلَوْلَا هَذَا التَّحْقِيقُ لَانْتَقَضَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلَ وَتَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ، كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَيْنًا مُعَيَّنًا فَادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِ إيفَاءَ ذَلِكَ الدَّيْنِ إيَّاهُ أَوْ إبْرَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعَاوَى الدَّفْعِ فَالْمُخَلِّصُ فِي الْكُلِّ مَا بَيَّنَّاهُ وَحَقَّقْنَاهُ.
ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لَنَا كَلَامٌ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ بَيَّنَ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا ذُو الْيَدِ فِي الصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ بِالنِّتَاجِ وَالْقَبْضِ وَسَبْقِ التَّارِيخِ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ صَحِيحَانِ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِظَاهِرِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا قَابِضًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِالْفِعْلِ لَا أَنْ يَثْبُتَ قَبْضُهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ، وَشُرُوحِهِ فِي بَابِ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْقَابِضِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَمْرٌ مُعَايَنٌ لَا يَدَّعِيهِ ذُو الْيَدِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيَانَ مَا ادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ بِالْقَبْضِ لَيْسَ بِتَامٍّ. فَالْحَقُّ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالْقَبْضُ: وَتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ فَتَدَبَّرْ (وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) يَعْنِي أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيَكُونُ الْمُدَّعِي لِذِي الْيَدِ تَارِكًا فِي يَدِهِ وَهَذَا قَضَاءُ تَرْكٍ.
لَا قَضَاءُ مِلْكٍ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ مِلْكٍ بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute