للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ وَصَارَ كَالنِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا أَوْ إظْهَارًا لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا يُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ

ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ) أَيْ لِتَأَكُّدِ الْبَيِّنَةِ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ (فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ) أَيْ فَيَتَقَوَّى ظُهُورُ الْمُدَّعِي (وَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَالنِّتَاجِ) أَيْ كَحُكْمِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ (وَالنِّكَاحُ) أَيْ وَكَحُكْمِ مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِأَنْ تَنَازَعَا فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (وَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ) أَيْ وَكَحُكْمِ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ عَبْدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (أَوْ الِاسْتِيلَادِ) عَطْفٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ، فَالْمَعْنَى: أَوْ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الِاسْتِيلَادِ بِأَنْ تَكُونَ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ اسْتَوْلَدَهَا فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (أَوْ التَّدْبِيرِ) أَيْ أَوْ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ التَّدْبِيرِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ دَبَّرَهُ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا) أَيْ فِي عِلْمِ الْقَاضِي (أَوْ إظْهَارًا) أَيْ فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُظْهِرُ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ (لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا تُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ) أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ غَيْرُ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْيَدِ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتُ وَصْفٍ لِلْمَوْجُودِ لَا إثْبَاتُ أَصْلِ الْمِلْكِ.

وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ فَمُثْبِتَةٌ لِأَصْلِ الْمِلْكِ، فَصَحَّ قَوْلُنَا إنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ إثْبَاتًا فِي الْبَيِّنَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِتَوَفُّرِ مَا شُرِعَتْ الْبَيِّنَاتُ لِأَجْلِهِ فِيهِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا.

فَإِنْ قِيلَ: بَيِّنَةُ الْخَارِجِ تُزِيلُ مَا أَثْبَتَهُ الْيَدُ مِنْ الْمِلْكِ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ مُوجِبَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى تَزِيدَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ مَا ثَبَتَ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَبْلَهُ يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ الثَّابِتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَكُونُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مُثْبِتَةً بَلْ مُؤَكِّدَةً لِمِلْكٍ ثَابِتٍ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنَّ لِذِي الْيَدِ أَيْضًا بَيِّنَةً وَأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إقَامَتَهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَتِهِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَقِّهِ إقَامَتُهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَحْضٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>