للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ

لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ دَفْعًا لِضَرَرِ الدَّعْوَى عَنْ نَفْسِهِ (فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ) وَاعْلَمْ أَنَّ حَلَّ الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مِنْ دَلِيلِنَا وَرَبْطَهُ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ مَدَاحِضِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْلُ كَلَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا عَنْ اخْتِلَالٍ وَاضْطِرَابٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ جَانِبُ كَوْنِهِ بَاذِلًا إنْ تَرَفَّعَ أَوْ مُقِرًّا إنْ تَوَرَّعَ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّعَ وَالتَّوَرُّعَ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَوْزِيعَ كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إلَى التَّوَرُّعِ وَالتَّرَفُّعِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَذْلٌ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ لَا غَيْرُ، فَعَلَى التَّوْزِيعِ الْمَزْبُورِ لَا يَثْبُتُ الرُّجْحَانُ فِي هَذَا الْجَانِبِ عَلَى التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ مَعًا فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ، بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ رُجْحَانُ كَوْنِهِ بَاذِلًا فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّرَفُّعِ فَقَطْ، وَرُجْحَانُ كَوْنِهِ مُقِرًّا فِي مَذْهَبِهِمَا عَلَى التَّوَرُّعِ فَقَطْ، وَبِهِ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّعَ وَحْدَهُ أَوْ التَّوَرُّعَ وَحْدَهُ يَحْتَمِلُ وَاحِدًا مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، وَبِمُجَرَّدِ رُجْحَانِ هَذَا الْجَانِبِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمُحْتَمَلَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مُرَادًا لِلنَّاكِلِ حَتَّى يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ خَلْطَ الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ سِيَّمَا عَنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، إنَّمَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّوَرُّعَ عَنْهَا وَاجِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ، فَإِنَّ الْإِفْضَاءَ إلَيْهِ فِي صُورَةِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُنْكِرِ كَاذِبًا فِي يَمِينِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ، فَحِينَئِذٍ لَوْ تَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بِدُونِ الْبَذْلِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِالْمُدَّعِي قَطْعًا لِتَضْيِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ مَا ادَّعَاهُ، وَكَذَا الْإِفْضَاءُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ يَمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>