. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي بَابِ اللِّعَانِ فَلَا يَجْرِي النُّكُولُ فِيهِ أَيْضًا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعَلَيْهِ نُقَوِّضُ إجْمَالِيَّةً: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ خَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَأَنْكَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيُسْتَحْلَفُ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَزِمَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ بِنُكُولِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ. وَالثَّانِي الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ وَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَزِمَ الْوَكِيلَ.
الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت لَك بِمَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَقَضَى بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النُّكُولَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ. فَوَجْهُ الْإِقْرَارِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَدَلًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْتَحِقُّ بِدَعْوَاهُ جَوَابًا يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ وَذَكَرَ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَإِنْ أَقَرَّ فَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ تَنْقَطِعْ إلَّا بِيَمِينٍ، فَإِذَا نَكَلَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. فَالنُّقُوضُ الْمَذْكُورَةُ إنْ وَرَدَتْ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ إقْرَارًا لَا تُرَدُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ مَنْظُورٌ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْإِقْرَارِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَدَلًا كَيْتَ وَكَيْتَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ وَجْهَ الْإِقْرَارِ لَا لَأَنْ يَكُونَ وَجْهَ كَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَهُمَا، وَلِهَذَا فَرَّعَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ. الثَّانِي أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ غَيْرُ تَامٍّ، إذْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ قَوْلِهِ فَإِذَا نَكَلَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَذْلًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ لَا بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ، وَقَطْعُهُ الْخُصُومَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بَدَلًا عَنْهُ لِتَحَقُّقِ الْقَطْعِ الْمَزْبُورِ بِكَوْنِهِ بَذْلًا أَيْضًا، وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْإِقْرَارِ بَدَلًا عَنْهُ، فَحِينَئِذٍ أَيْضًا لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. الثَّالِثُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَحْكَامِ لِمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي صُورَةِ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ فَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ جَرَيَانُ بَدَلِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يَتِمَّ دَلِيلُهُمَا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ.
الرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي دَلِيلِهِمَا الْمَسْفُورِ كَوْنَ النُّكُولِ إقْرَارًا فَقَطْ. وَلَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِيهِ كَوْنُهُ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ بِالتَّرْدِيدِ كَمَا تَرَى لَمْ يَحْتَجَّ فِي دَفْعِ النُّقُوضِ الْمَزْبُورَةِ بِمَا ذُكِرَ إلَى تَغْيِيرِ شَيْءٍ أَصْلًا فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ إنَّ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ كَلَامَيْنِ فِي تَحْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا: أَحَدُهُمَا فِي جَانِبِ السُّؤَالِ وَالْآخَرُ فِي جَانِبِ الْجَوَابِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ نُقُوضٌ إجْمَالِيَّةٌ حَيْثُ قَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْئِلَةَ الثَّلَاثَةَ مُعَارَضَاتٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَدِرَايَةٍ انْتَهَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي قَوْلِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي حَيْثُ قَالَ: بَلْ هُوَ تَغْيِيرُ الدَّلِيلِ وَالْمُدَّعِي جَوَازَ الِاسْتِحْلَافِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ مُعَارَضَاتٌ مِمَّا لَا يَكَادُ يَحْسُنُ لِأَنَّ حَاصِلَ كُلِّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute