للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَا يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ

قَالَ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ

مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنَّ النُّكُولَ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِمَا أَنَّ فِي الْبَذْلِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ.

فَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَبَذْلُهُمَا بِالنُّكُولِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ بَذْلِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ إذْ الْخُصُومَةُ تَنْدَفِعُ بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِأَنْ أَقْدَمَا عَلَى الْيَمِينِ إنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فِي إنْكَارِهِمَا، وَبِأَنْ أَقَرَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الصَّادِقُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَصِحَّتُهُ) أَيْ حِصَّةِ الْبَذْلِ (فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَا يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ) هَذَا أَيْضًا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ النُّكُولَ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا جَرَى فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْأَعْيَانُ لَا الدُّيُونُ، إذْ الدَّيْنُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْبَذْلُ وَالْإِعْطَاءُ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى الْبَذْلِ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ، فَكَانَ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَتَرْكُ الْمَنْعِ جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ حَيْثُ تَجْرِي فِيهِ الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَجْرِي فِيهَا الْإِبَاحَةُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي أَتَى بِصَرِيحِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا جَرَى فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْأَعْيَانُ لَا الدُّيُونُ، إذْ الْبَذْلُ وَالْإِعْطَاءُ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ وَالدَّيْنُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ.

قُلْنَا: الْبَذْلُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ كَأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى.

وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ وَإِنْ تَلَقَّتْهُ الثِّقَاتُ بِالْقَبُولِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ وَصْفًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَأَنَّ تَرْكَ الْمَنْعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْأَعْيَانِ لَا فِي الْأَوْصَافِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَمِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْعِ فَرْعُ جَوَازِ الْأَخْذِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْأَخْذِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ تَرْكُ الْمَنْعِ، فَلَمْ يَكُنْ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ حَقُّ نَفْسِهِ الدَّيْنَ بَلْ كَانَ الْعَيْنَ، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي تَرَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعَهُ أَخْذَ الدَّيْنِ بَلْ كَانَ أَخْذَ الْعَيْنِ وَالسُّؤَالُ بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ، فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ لَا يَدْفَعُهُ.

وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى الْبَذْلِ فِي الدَّيْنِ إحْدَاثُ مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي بِإِعْطَاءِ عَيْنٍ يُمَاثِلُ مِعْيَارُهُ مِعْيَارَ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى وَحُصُولُ الْمُقَاصَّةِ بِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى قَضَاءِ الدَّيْنِ هَذَا وَلِهَذَا قَالُوا: الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي مَثَلًا لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَانَ مَعْنَاهُ حَصَلَ لِي فِي ذِمَّتِهِ وَصْفٌ مِعْيَارُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ إعْطَاءُ عَيْنٍ يُمَاثِلُ مِعْيَارُهُ مِعْيَارَ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَالْمَبْذُولُ حَقِيقَةً هُوَ الْعَيْنُ الَّذِي يُعْطَى لَا الدَّيْنُ نَفْسُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَخْذَ الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>