للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ: الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ. وَالْقَطْعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ

. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ،

يُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ بِحُجَّةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ فَكَذَلِكَ لَا تُقَامُ بِالنُّكُولِ، فَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْيَمِينُ فِي الْحُدُودِ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ، فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ: إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَتْ لَك يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ، فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ: دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَانْبَعِثْ عَلَى دَعْوَى الْمَالِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْمَحْبُوبِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ) أَيْ بِفِعْلِ السَّارِقِ وَهُوَ السَّرِقَةُ (شَيْئَانِ: الضَّمَانُ) أَيْ أَحَدُهُمَا ضَمَانُ الْمَالِ (وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ. وَالْقَطْعُ) أَيْ وَثَانِيهمَا قَطْعُ الْيَدِ (وَلَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِالنُّكُولِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلِهِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ: النُّكُولُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ فِعْلُ السَّرِقَةِ.

أَقُولُ: الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَوَّلُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ فَحِينَئِذٍ لَا يُنَاطُ الْقَطْعُ بِالنُّكُولِ قَطْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْفِعْلُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ عَلَى النُّكُولِ وَأَحَدُ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الْقَطْعُ.

ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ إلَى آخِرِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ لَمِّيَّةِ الْمُدَّعِي هَاهُنَا، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَفْصِيلٍ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى عِلَّةِ كَوْنِ النُّكُولِ عَامِلًا فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَالْقَطْعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى عِلَّةِ عَدَمِ ثُبُوتِ الْقَطْعِ بِهِ فَبَقِيَ الْمُدَّعَى غَيْرَ مَعْلُومِ اللِّمِّيَّةِ. وَالْأَوْجَهُ فِي التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ، وَهُوَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَجِبُ بِالنُّكُولِ، وَالْقَطْعُ وَهُوَ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ انْتَهَى.

وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَدَّعِي الْمَالَ وَالْحَدُّ وَإِيجَابُ الْحَدِّ لَا تُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ، وَإِيجَابُ الْمَالِ يُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ فَيَثْبُتُ بِهِ انْتَهَى، تُبْصِرُ تَقِفُ (فَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السَّرِقَةِ (رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ هُنَاكَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، فَكَذَا هَاهُنَا وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ الْحَدُّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ) وَفَائِدَةُ تَعْيِينِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ تَعْلِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>