للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ

أَنَّ دَعْوَى الْمَهْرِ لَا تَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي كُلِّ الْمَهْرِ أَوْ نِصْفِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَوَهُّمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ انْتَهَى.

وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لِرُبَّمَا ذَهَبَ الْوَهْمُ إلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِغَلَبَتِهِ فَقُيِّدَ بِهِ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُحْلِفَ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ) أَيْ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّكَاحِ الصَّدَاقَ (لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ) أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ (ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ) يَعْنِي يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَالَ يَجْرِي فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْبَذْلُ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ بِدُونِ اللَّازِمِ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالنُّكُولِ لَا مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ يَسْتَلْزِمُ النِّكَاحَ الْقَائِمَ لِبَقَائِهِ حَالَ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْلِ جَوَابِهِ وَعِلَاوَتِهِ مُخْتَلٌّ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالنُّكُولِ لَجَازَ الْبَذْلُ فِي النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ: أَيْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ صَاحِبُ مَذْهَبٍ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ قِيَامَ النِّكَاحِ فِي الْبَقَاءِ وَلَكِنْ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ النِّكَاحِ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الْبَقَاءِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَنْدَفِعْ السُّؤَالُ. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِهِ: إنَّ ثُبُوتَ الْمَهْرِ فِي الْوَاقِعِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النِّكَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النِّكَاحِ عِنْدَهُ لِأَنَّ مَعْنَى ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ ظُهُورُهُ لَهُ، إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحُجَجَ الشَّرْعِيَّةَ مُثْبَتَةٌ فِي عِلْمِ الْقَاضِي مُظْهَرَةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ظُهُورُ الْمَلْزُومِ ظُهُورَ اللَّازِمِ لِجَوَازِ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.

فَاَلَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُبُوتُ الْمَهْرِ عِنْدَ الْقَاضِي بِدُونِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ عِنْدَهُ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ كَمَا عَرَفْت، وَقِسْ عَلَى هَذَا أَحْوَالَ نَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُخَلِّصٌ فِي الْجَمِيعِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا فِي النَّسَبِ) أَيْ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ (إذَا ادَّعَى حَقًّا) أَيْ إذَا ادَّعَى مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ (كَالْإِرْثِ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ النَّسَبِ (وَالْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ) بِأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ أَنَّهُ أَخُوهَا وَأَنَّهَا أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ نَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>