وَالنَّفَقَةِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ
الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا دُونَ النَّسَبِ (وَالنَّفَقَةِ) بِأَنْ ادَّعَى زَمِنٌ عَلَى مُوسِرٍ أَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأُخُوَّةَ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ (وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) بِأَنْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْتَ أَخِي يُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ دُونَ النَّسَبِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ) دَلِيلٌ لِلْمَجْمُوعِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ هَذِهِ الْحُقُوقُ: أَيْ دُونَ النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا فَسَّرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِقَوْلِهِ: أَيْ دُونَ النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَلَا، وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ تَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي صُورَةِ النَّفَقَةِ إذَا قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْتَ أَبِي فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا وَكَذَا الْحَالُ فِي صُورَةِ امْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُدَّعِيَةُ فِي صُورَةِ الْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ إذَا قَالَتْ إنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهَا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا أَيْضًا وَكَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ كُلِّيَّةِ الْمُدَّعِي. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَدَلَ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ: فَإِنَّ الْبَذْلَ لَا يَجْرِي فِيهِ كَمَا قَالَ آنِفًا فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ هَاهُنَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ النَّسَبَ الْمُجَرَّدَ، وَعَدَمُ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ الْحُجَجَ عَلَى الدَّعْوَى غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي النُّكُولِ، بَلْ مِنْهَا أَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ، وَالْبَذْلُ إنَّمَا هُوَ لِلنُّكُولِ مِنْ بَيْنِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عَدَمُ جَرَيَانِ سَائِرِ الْحُجَجِ فِيهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ هُنَاكَ عَدَمُ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِالنُّكُولِ، وَعَدَمُ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي النِّكَاحِ يُفِيدُهُ قَطْعًا. لَا يُقَالُ: التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ هُنَا أَنْ يُقَالَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ النَّسَبُ الْمُجَرَّدُ لَمَّا ادَّعَى الْمُدَّعِي فِيهَا مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ وَالْمَفْرُوضُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي مَعَهُ حَقًّا آخَرَ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ إلَخْ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْبُنُوَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ تُسْمَعُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي فِيهَا دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَمَّا ادَّعَى مَعَهُ حَقًّا آخَرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا؛ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَا تُسْمَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ فِيهَا اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّسَبَ الْمُجَرَّدَ وَيَدَّعِيَ مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ لِمُجَرَّدِ التَّوَسُّلِ بِهِ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ النَّسَبُ الْمُجَرَّدُ، وَالْمَسَائِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute