كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْآكِلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ
مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْمَالُ أَيْضًا، كَمَا إذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْقِصَاصِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِالْقِصَاصِ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَإِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ) فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْأَمْوَالِ (فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ) كَمَا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ (بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ) حَيْثُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ (فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي) أَيْ لَوْ قَالَ الْآخَرُ اقْطَعْ يَدَيَّ (فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ) أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُودِ الضَّمَانِ (إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ) فِي الْأَطْرَافِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي الْأَنْفُسِ.
وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الْأَطْرَافُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ قَطْعُ يَدِهِ إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدِي كَمَا يُبَاحُ أَخْذُ مَالِهِ إذَا قَالَ خُذْ مَالِي، أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) أَيْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ كَمَا أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا يُبَاحُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِأَنْ قَالَ أَلْقِ مَالِي فِي الْبَحْرِ أَوْ أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ (وَهَذَا الْبَذْلُ) أَيْ الَّذِي بِالنُّكُولِ (مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْآكِلَةِ وَقَطْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ إنَّ الْقَطْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute