وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ
. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ
لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ أَهْوَنُ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهَا فَتَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْأَمْوَالِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ دَفْعَ الْخُصُومَةِ بِالْأَرْشِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ بَعْدَ تَعَذُّرِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْبَحْثِ الْأَوَّلِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ الْمُرَادَ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ فِي كَوْنِ النُّكُولِ بَذْلًا شُبْهَةً لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَذْلِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ أَيْضًا، فَالْأَوْلَى طَرْحُ الشُّبْهَةِ مِنْ الْبَيِّنِ وَالِاكْتِفَاءُ بِعَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: مَدَارُ بَحْثِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا بَيَّنَهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فِي كَوْنِ الْأَطْرَافِ مِمَّا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ شُبْهَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِي حُكْمِ الْأَنْفُسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ﵀ وَبَنَى عَلَيْهِ تَجْوِيزَهُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَبَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، فَمَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لَا يَتَأَتَّى الْبَذْلُ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَيَتِمُّ الْجَوَابُ.
ثُمَّ إنَّ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ إيمَاءً إلَى سَبَبِ عَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ ذِكْرُهَا أَوْلَى مِنْ طَرْحِهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِعَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) أَيْ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِيهَا كَمَا مَرَّ (وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ (يُحْبَسُ بِهِ) أَيْ يُحْبَسُ النَّاكِلُ بِذَلِكَ الْحَقِّ (كَمَا فِي الْقَسَامَةِ) فَإِنَّهُمْ إذَا نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ يُحْبَسُونَ حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute