فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
فِي غَيْرِهِمَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ، إذْ قَدْ عَلَّقَ فِيهِ وُجُوبَ التَّحَالُفِ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعِينَ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُ التَّحَالُفِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا بِالْأَجَلِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ وَاسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا، فَالِاخْتِلَافُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي هَاهُنَا (فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ) أَيْ فِي الْحَطِّ مِنْ الثَّمَنِ (وَالْإِبْرَاءِ) أَيْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ، وَلَا تَحَالُفَ فِي الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ مَعَ يَمِينِهِ فَكَذَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ اخْتِلَافًا فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارَ بِهِ إلَى الْأَقْرَبِ: أَيْ شِبْهُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ (لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ) أَيْ بِانْعِدَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ (لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ بِلَا شَرْطٍ وَأَجَلٍ جَائِزٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ أَوْ فِي الْأَجَلِ وَحَالَفَا بَقِيَ الْعَقْدُ بِلَا شَرْطٍ وَأَجَلٍ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فِي الْمُثَمَّنِ أَوْ الثَّمَنِ وَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَيَبْقَى الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ مَجْهُولًا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسَادَ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأَخِيرُ بِالدَّنَانِيرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا.
أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ فَلَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ يَقْضِي بِالْعَقْدِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ (بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ) كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ (أَوْ جِنْسِهِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (حَيْثُ يَكُونُ) الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا (بِمَنْزِلَةِ الْخِلَافِ فِي الْقَدْرِ) أَيْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِلَافَ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ (يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ) أَيْ الِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ الثَّمَنِ (فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ) فَلَمَّا اخْتَلَفَا فِي الْوَصْفِ وَهُوَ مُعَرَّفٌ صَارَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الثَّمَنُ (وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ) أَيْ لَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَجَلَ (لَيْسَ بِوَصْفٍ) بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَنَوَّرَ هَذَا بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِتَبَعِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ (يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ) أَيْ بِشَرْطٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ (وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ) وَالْحُكْمُ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute