وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ) لِتَصَادُقِهِمَا (وَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ
لِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَا تَقَدُّمَ الْأَوَّلِ حَكَمْنَا بِهِ، فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الثَّانِي أَوْلَى قَطْعًا، وَلَيْسَ مَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى دَعْوَى أَوْلَوِيَّةِ الثَّانِي بَلْ عَلَى مَنْعِ أَوْلَوِيَّةِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا الْمَنْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ بَلْ يَتَوَجَّهُ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ دَعْوَى النِّكَاحِ مُطْلَقًا: أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا احْتَمَلَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي، كَمَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ فَلَمْ تَثْبُتُ الْأَوْلَوِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ احْتِيَاجٍ إلَى بَيَانِ لَمِّيَّةِ الْحُكْمِ بِالْأَوَّلِ، فِيمَا عَايَنَا تَقَدَّمَهُ أَيْضًا مَعَ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، فَالْأَحْسَنُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَخَلُّلِ الطَّلَاقِ. قُلْت: لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ بَقَاءِ الطَّلَاقِ فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الثَّابِتُ لِلْأَوَّلِ بِالشَّكِّ، وَلَا يُقَالُ: يُحْمَلُ أَمْرُهُمَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الدَّفْعِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لِحَاجَةٍ إلَى الْإِبْطَالِ انْتَهَى.
(وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ) إذْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ. وَذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ. فَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْعَقْدِ تَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْقَبْضِ. كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ فِي عَيْنٍ مِنْ ثَالِثٍ بِالشِّرَاءِ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى. لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَا أَمْكَنَ.
وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ هُنَا بِأَنْ جَعَلَ نِكَاحَ الَّذِي دَخَلَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute