للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِهَا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ (إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الثَّانِي سَابِقًا) لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَنِكَاحُهُ ظَاهِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّبْقِ.

قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً

ثَابِتًا حِينَ دَخَلَ، وَهَذَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مِنْ نَقْلِهَا إلَى بَيْتِهِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ، وَدَلِيلُ التَّارِيخِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّارِيخِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَحِينَئِذٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الدَّلِيلِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ بِالسَّبْقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوَّلٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِسَبْقِ التَّارِيخِ فِي عَقْدِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَأَيُّهُمَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا دُونَ الْآخَرِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إمَّا لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَتَرَجَّحُ بِإِقْرَارِهَا لَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ، أَوْ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا بَقِيَ تَصَادُقُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْحِ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا دَخَلَ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا كَانَ التَّنَازُعُ حَالَ حَيَاةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهَا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْيَدُ، فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى بِالنِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ لَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِنْهَا مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ. فَرَّقَ بَيْنَ الدَّعْوَى حَالَةَ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ الدَّعْوَى بَعْدَ الْوَفَاةِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ هِيَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ بَعْدَ الْوَفَاةِ هُوَ الْمِيرَاثُ وَهُوَ مَالٌ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْفُصُولِ، وَفِي الْفُصُولِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ (وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى) يَعْنِي أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا مَعًا، وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى (وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي (لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ) أَيْ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الْأُولَى، بَلْ دُونَهَا لِأَنَّ الْأُولَى تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي الظَّنِّيَّات لَا يُنْقَضُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَلِهَذَا لَا يُهْدَمُ الرَّأْيُ بِالرَّأْيِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الثَّانِي سَابِقًا) أَيْ وَقْتًا سَابِقًا فَإِنَّهُ يَقْضِي حِينَئِذٍ بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي (لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ بِيَقِينٍ) حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ. أَقُولُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِيَقِينٍ تَسَامُحٌ. لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ مِنْ الظَّنِّيَّاتِ لَا مِنْ الْيَقِينِيَّاتِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لَهُ حَيْثُ تَرَكَ لَفْظَةَ بِيَقِينٍ فِي تَحْرِيرِهِ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَنِكَاحُهُ ظَاهِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّبْقِ) قَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْهُ (مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ فَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ، فَالْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ إنَّ تَمَامَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً) أَيْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>