فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّينَ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ، فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ.
عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى مَا لَوْ أَقَامَاهَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: وَلَمْ تُؤَقِّتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا. وَأَقُولُ: الْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتَا وَلَمَّا وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ مُسَاعِدٌ لِلتَّعْمِيمِ لَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُعَمِّمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ مَا وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مَتْرُوكَةً فِي الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ بَيْنِ أَقْسَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ ذَلِكَ (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّينَ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ) وَهُوَ رِضَاهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْمَبِيعِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ اخْتَلَّ رِضَاهُ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي.
وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ شَرْطَ عَقْدِهِ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ (فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ) وَلَمْ يَحْصُلْ (فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ) وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ هُوَ الرِّضَا، وَقَدْ تَغَيَّرَ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْبَيْعِ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ اخْتَلَّ رِضَاهُ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ وَأَيْضًا لِاتِّحَادِ وَصْفِ الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا لَهُ انْتَهَى.
أَقُولُ: الَّذِي هُوَ تَصَرُّفُ نَفْسِ ذَلِكَ الْقَائِلِ هَاهُنَا سَاقِطٌ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُؤَيِّدَهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَيْضًا لِاتِّحَادِ وَصْفِ الْعَقْدِ إلَخْ فَلِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا أَنَّهُ شَرْطُ نَفْسِ الْعَقْدِ، كَمَا أَنَّ الرِّضَا أَيْضًا كَذَلِكَ لِتَحَقُّقِ نَفْسِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ مَعَ انْتِفَاءِ الرِّضَا فِيهِ، وَأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِ لَا أَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُ نَفْسِ عَقْدِهِ وَإِلَّا مَا سَاغَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ. ثُمَّ إنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصْفٌ لِلْعَقْدِ كَاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ أَحَدِ وَصْفَيْهِ شَرْطًا لِلْآخَرِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُتَيَقَّنٌ لِاسْتِحَالَةِ تَوَارُدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute