للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصَمَ فِيهِ لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ، وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحِمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَنَظِيرُهُ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ

عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَمُلَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْبَيِّنَتَانِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدَا بِكَوْنِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ شَهِدُوا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا فِي وَقْتِ أَطْلَقَ لَهُ الشَّهَادَةَ بِهِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَوَابِهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِكَوْنِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْوَرَقِ الْآتِي، وَذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ هَاهُنَا نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يَفِي بِدَفْعِ مَا إذَا أُورِدَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

أَقُولُ: مَبْنَى جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا تَقْيِيدُهُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ جَوَابُهُ، فَإِنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ مِقْدَارُ مَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَقَدْ حَصَلَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ.

وَأَمَّا دَفْعُ السُّؤَالِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فِي الْكِتَابِ فَفَضْلَةٌ مِنْ الْكَلَامِ هَاهُنَا فَلَا ضَيْرَ فِي عَدَمِ وَفَاءِ جَوَابِهِ بِذَلِكَ. نَعَمْ تَقْيِيدُهُ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ رَأْسًا كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ مَوْضِعُهُ ثَمَّةَ، ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا جَوَابًا آخَرَ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا ذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَافِي وَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَيْنِ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَنْ وَكَّلَ الْمَالِكُ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ بِأَنْ يَبِيعَا عَبْدَهُ فَبَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ مَعًا مِنْ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَعَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ، وَيُضَافُ عَقْدُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مَجَازًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ وُرُودُ الْبَيْعَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَمُلَا (فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِالْعَبْدِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ) أَيْ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ (لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْآخَرَ (صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النِّصْفِ. وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَا يُوجَدْ.

فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُدَّعٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ (لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ (قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ (حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ) وَحُجَّتُهُ قَامَتْ بِهِ (وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ) أَيْ لَمْ يَفْسَخْ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي شَيْءٍ (وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ) يَعْنِي إنَّمَا كَانَ الْقَضَاءُ لَهُ بِالنِّصْفِ لِمَانِعٍ وَهُوَ مُزَاحَمَةُ صَاحِبِهِ لَهُ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ الْمُزَاحَمَةُ قُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ (وَنَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ مَا قَالَ أَحَدُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي (تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ تَسْلِيمُ أَحَدِهِمَا الشُّفْعَةَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا لَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ (وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ) أَيْ نَظِيرُ مَا قَالَ أَحَدُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُمَا بِالْخِيَارِ (تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>