للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ،

أَيْ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ الشُّفْعَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا لَهُمَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ إلَّا أَخْذُ نِصْفِ الدَّارِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ قَوْلَهُ وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ إلَى هُنَا، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ شَرْحُهُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا وَنَحْنُ اخْتَرْنَا شَرْحَنَا وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ) فَاسْتِحْقَاقُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ) إذْ قَدْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ بَاطِلًا (وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْآخَرَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَاحْتِمَالُ قَبْلِيَّتِهِ يَقْتَضِي رُجْحَانَهُ عَلَى صَاحِبِ الْوَقْتِ وَاحْتِمَالُ بَعْدِيَّتِهِ يَقْتَضِي الْعَكْسَ، فَمَا الْوَجْهُ فِي الْعَمَلِ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْآخَرِ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ أَيْضًا فِي أَنَّ الْآخَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ فَلَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ فِي جَانِبٍ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاَلَّذِي لَمْ يُؤَقِّتْ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ حَادِثٌ فَيُضَافُ حُدُوثُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَثْبُتُ التَّارِيخُ فَكَانَ شِرَاءُ الْمُؤَقَّتِ سَابِقًا فَكَانَ أَوْلَى انْتَهَى.

(وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ (أَنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْقَبْضُ ثَابِتٌ فِي يَدِهِ مُعَايَنَةً، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ بِهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَثْبَتَ قَبْضَهُ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ فِي الْحَالِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَاكَ عَلَى خِلَافِ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ بِالْمُعَايَنَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا.

أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَالْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ الَّتِي كَانَتْ مَذْكُورَةً أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيِّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ كُلُّهَا مِنْ شُعَبِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ هِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَمُتَفَرَّعَاتُهَا يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَفْظُ الِادِّعَاءِ وَلَا ذَكَرَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا كَانَ الْأُسْلُوبُ الْمُطَّرِدُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَقَالَ هَاهُنَا: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ: أَيْ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَاقْتَضَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُخَالِفًا لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ) تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ " مَا " مَعَ الْبَعْدِ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدُ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَبْضٌ لِقَابِضٍ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْكُمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ، وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْلَى انْتَهَى.

أَقُولُ: قَدْ أَخَذَ هَذَا التَّحْقِيقَ مِنْ تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْكَافِي وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ مِنْ إيجَازِ الْكَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>