وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا) فَهُمَا سَوَاءٌ
بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا ادَّعَى الْخَارِجَانِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ آخَرَ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا سَمَّى رَجُلًا وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يَقْضِي بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يَقْضِي لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا انْتَهَى.
وَقَدْ اقْتَفَى أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ أَثَرَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي مُؤَاخَذَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ، لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ هُنَا، فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْقُدُورِيَّ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي مُخْتَصَرِهِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَاهُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَثْنَاءِ الْأَحْكَامِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا فُهِمَ التَّكْرَارُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ فَصَرَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ إلَى مَا إذَا ادَّعَيَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَقَوْلَهُ الثَّانِيَ مَا إذَا ادَّعَيَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَمْلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلَاحِ فَلَا غُبَارَ فِيهِ أَصْلًا.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ طَعَنُوا فِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِصَدَدِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ فَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ، فَالْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ انْتَهَى، وَذَلِكَ الْكَلَامُ مِنْهُمْ اعْتِرَافًا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هَاهُنَا وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ ادَّعَيَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ، إذْ لَا يَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةُ إنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرَ قَوْلِهِ هَذَا، وَبِأَنَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ هُنَاكَ الِاحْتِرَازُ عَنْ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهُوا لِكَوْنِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ هَاهُنَا أَيْضًا الِاحْتِرَازَ عَنْ التَّكْرَارِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ مَا سَبَقَ: أَيْ لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) أَيْ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَوَّلِ أَوْلَى (لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ إنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ (أَنَّهُ أَثْبَتَهُ) أَيْ أَنَّ صَاحِبَ التَّارِيخِ الْأَوَّلِ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ (فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ (وَإِنْ أَقَامَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ) كَأَنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ وَالْآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ عَمْرٍو (وَذَكَرَا تَارِيخَهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ ذَكَرَا تَارِيخًا وَاحِدًا، وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَا تَارِيخَيْنِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى.
وَقَدْ سَلَكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَسْلَكَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُهُمَا وَاحِدًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا وَلَا تَارِيخَ لِمِلْكِ الْبَائِعَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute