للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ

وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ بِدُونِ التَّارِيخِ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا، فَكَذَا فِيمَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي التَّلَقِّي مِنْهُ وَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، أَثْبَتَ التَّلَقِّيَ لِنَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْضَى لِلْغَيْرِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا ادَّعَى التَّلَقِّيَ مِنْهُ وَالْآخَرُ لَا يَدَّعِي التَّلَقِّيَ مِنْهُ انْتَهَى.

وَقَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَنْزِ. أَقُولُ: السِّرُّ فِي اخْتِلَافِ كَلِمَاتِ الثِّقَاتِ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ فِي حِلِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَقَّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ التَّارِيخَ، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يَقْضِي بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ سِوَى صَاحِبِ الْيَدِ مُطْلَقًا مِنْ الْوَقْتِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يُقْضَى بَيْنَهُمَا فِي نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ، وَقَالَ: لَا عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ فِي الشِّرَاءِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا مِلْكَ الْبَائِعَيْنِ انْتَهَى.

وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ نَوْعِ تَفْصِيلٍ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا. ثُمَّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ نَقْلِ تِلْكَ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ كَوْنَ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَسْبَقِ أَوْلَى فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَكْبَرِهِمْ، فَحَمْلُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا لَا يُنَافِيهِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا) أَيْ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَادَّعَيَا وَأَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) أَيْ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْخَارِجَانِ شِرَاءً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَوَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ) أَيْ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِ بَائِعِهِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ هَاهُنَا خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَتَوْقِيتُ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>