لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ شِرَاءُ غَيْرِهِ.
مِلْكِ بَائِعِهِ (لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ الْآخَرُ أَقْدَمَ فِي الْمِلْكِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ (اتَّفَقَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى) أَيْ لَا يُؤْخَذُ (إلَّا مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْوَاحِدِ، فَحَاجَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لَا إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ (فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَّا بِيَدِهِ الْمِلْكَ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ شِرَاءُ غَيْرِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَوْقِيتِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا فِي إثْبَاتِهَا الْيَدَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ الْمُعَايَنِ بِالْيَدِ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَلَوْ عَايَنَّا بِيَدِهِ الْمِلْكَ حَكَمْنَا بِهِ بِالْمَقَامِ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ مَنْ وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُ كَالشِّرَاءِ الْمُعَايَنِ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَكِنَّ الْآخَرَ مُشْتَرِكٌ فِي هَذَا اللَّازِمِ لِثُبُوتِ شِرَائِهِ أَيْضًا بِالْبَيِّنَةِ. نَعَمْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَوَّلَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَايَنَّا شِرَاءَهُ وَوَقْتُهُ مَعْلُومٌ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَنَا الْآنَ. وَالثَّانِي يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَايَنَّا شِرَاءَهُ أَيْضًا وَلَكِنَّ وَقْتَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَنَا الْآنَ، بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّقَدُّمِ عَلَى الْآخَرِ وَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُجْدِي نَفْعًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نَحْكُمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّهُ أَسْبَقُ مِنْ الْآخَرِ. فَالْوَجْهُ فِي تَعْلِيلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَمْرٌ حَادِثٌ، وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ وَقْتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَهُمْ، فَشِرَاءُ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الْحَالُ فَيَتَأَخَّرُ عَنْ شِرَاءِ الْمُؤَقَّتِ حُكْمًا، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ هَاهُنَا إجْمَالًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَمَرَّ مِنَّا تَفْصِيلُ نَظِيرِهِ فِيمَا سَبَقَ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي فَتَذَكَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
وَأَمَّا الْبَاقِي فَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْفَرْقِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ فَهُوَ كَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عِيَانًا فَيَحْكُمُ بِهِ، إلَّا إذَا تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ شِرَاءِ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا فِي الْفَرْقِ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ التَّعَاقُبُ ضَرُورِيًّا. وَقَدْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ مِلْكٌ فِي وَقْتٍ وَمِلْكُ غَيْرِهِ مَشْكُوكٌ إنْ تَأَخَّرَ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِلْكٌ فَتَعَارَضَا فَيَرْجِعُ بِالْوَقْتِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَكَمَا جَازَ أَنْ يَقَعَا مُتَعَاقِبَيْنِ جَازَ أَنْ يَقَعَا مَعًا، وَفِي ذَلِكَ تَعَارُضٌ أَيْضًا فَضَعْفُ قُوَّةِ الْوَقْتِ عَنْ التَّرْجِيعِ لِتَضَاعُفِ التَّفَاوُضِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ التَّعَاقُبُ ضَرُورِيًّا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يُوَكِّلَ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مَثَلًا فَيَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَعَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ فَيُضَافُ عَقْدُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مَجَازًا كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرَّاحِ لِدَفْعِ السُّؤَالِ بِتَيَقُّنِ كَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيُرَجَّحُ بِالْوَقْتِ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي مِلْكِ الْمُؤَقَّتِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ الْآخَرِ عَنْهُ وَكَذَا تَأَخُّرُهُ عَنْ الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْآخَرِ عَلَيْهِ فَاحْتِمَالُ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الشَّكِّ فِي مِلْكِهِ يَسْتَلْزِمُ احْتِمَالَ تَقَدُّمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ الشَّكُّ فِي مِلْكِهِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقْتٌ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي تَرْجِيحِ الْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا، بَلْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى وَقْتِ الْآخَرِ، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute