وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ،
الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إنَّمَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا نَحْوَ الْغَضَبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا ادَّعَى فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّ ذَا الْيَدِ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ مَا هُوَ ثَابِتٌ ظَاهِرُ يَدِهِ مِنْ وَجْهٍ وَالْخَارِجُ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ الْفِعْلَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهِيَ أَوْلَى انْتَهَى. وَلَكِنْ قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الشُّرُوحِ عَنْ دَعْوَى الذَّخِيرَةِ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ دَعْوَى النِّتَاجِ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ آجَرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهَا إيَّاهُ وَصَاحِبُ الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ النِّتَاجِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْإِعَارَةَ أَوْ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ وَالنِّتَاجُ أَسْبَقُ مِنْ الْإِعَارَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَيَقْضِي لِذِي الْيَدِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَضَاءِ لِذِي الْيَدِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ) أَيْ يُتْرَكُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ (لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ قَضَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ قَضَاءِ التَّرْكِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَاضِيَ يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نِتَاجُ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كُوفَةَ وَمَكَّةَ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ. وَجْهُ صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ ذَكَرَ فِي الْخَارِجَيْنِ: أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا قَالَهُ لَكَانَ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَسَوَاقِطُهَا فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ فِيهَا يَقْضِي بِهَا وَبِالسَّوَاقِطِ لِمَنْ فِي يَدِهِ أَصْلُ الشَّاةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ تَهَاتُرُ الْبَيِّنَتَيْنِ لَكَانَ يُتْرَكُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي يَدِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْمِلْكَيْنِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا ظَاهِرًا مُطْلَقًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النِّتَاجِ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُعَايَنَةُ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ الْفَصِيلِ يَتْبَعُ النَّاقَةَ فَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى النِّتَاجِ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ سَبَبًا ظَاهِرًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا يُصَارُ إلَى التَّهَاتُرِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْمِلْكَيْنِ حَيْثُ لَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِشَخْصَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَجَدَ الْقَاضِي لِشَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَحْمَلًا يُطْلِقُ لَهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِأَنْ عَايَنَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ يُبَاشِرُ سَبَبَ الْمِلْكِ وَعَايَنَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ الْخَصْمَ الْآخَرَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ قَبْلَ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ، كَذَا هَاهُنَا.
وَعَنْ هَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَجِدْ لِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ هُنَاكَ مَحْمَلًا يُطْلِقُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلشَّهَادَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُعَايَنَةُ الشُّهُودِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ سَمَاعُ الْفَرِيقَيْنِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِمَكَّةَ وَكُوفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِ ذَيْنِكَ الْمَكَانَيْنِ عَادَةً فَتَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ هُنَاكَ لِذَلِكَ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. ثُمَّ إنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute