للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً) كَغَزْلِ الْقُطْنِ

عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ انْتَهَى (وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ) أَيْ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ. صُورَتُهُ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَد فِي دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَهُ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي بِهَا لَهُ وَيَنْقُضُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ) أَيْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ قَطْعًا، فَكَانَ الْقَضَاءُ الْوَاقِعُ عَلَى خِلَافِهِ كَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَالْقَضَاءُ يُنْقَضُ هُنَاكَ، كَذَا هُنَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَلَا تُقْبَلُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ.

وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّافِعَ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ مَوْجُودًا وَالْقَضَاءُ كَانَ خَطَأً فَأَنَّى يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ فِي ظَاهِرِ هَذَا الْجَوَابِ خُرُوجًا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا: وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ، وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ. فَإِنْكَارُ كَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ يُنَافِيهِ ظَاهِرًا، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَهُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا يَضُرُّ بِقَبُولِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّافِعَ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا ظَهَرَ تَبَيَّنَ خَطَأُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فَيُنْقَضُ كَالْقَضَاءِ بِالظَّاهِرِ فِي خِلَافِهِ نَصٌّ. قَالَ الشُّرَّاحُ: فَإِنْ قِيلَ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُرَجِّحُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُصَادَفَتِهِ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ قَائِمَةً عِنْدَهُ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَيُرَجِّحُ بِاجْتِهَادِهِ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَهُ حَالَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ بَلْ كَانَ لِعَدَمِ مَا يَدْفَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْ ذِي الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَ مَا يَدْفَعُ بِهِ انْتَقَضَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ رَأْسًا لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَتَرْجِيحُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الْخَارِجَ فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ النِّتَاجَ عَلَى مَا بَيَّنَ فِيمَا قَبْلُ وَذَلِكَ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ النِّتَاجَ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ. وَقَدْ تَتَبَّعْت الْكُتُبَ وَلَمْ أَظْفَرْ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ، وَمَا ذَكَرُوا فِيمَا مَرَّ مِنْ وَجْهِ جَوَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكَذَلِكَ النَّسِيجُ) أَيْ النَّسْجُ كَالنِّتَاجِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، وَكُلُّ حُكْمٍ عَرَفْته فِي النِّتَاجِ فَهُوَ فِي النَّسِيجِ كَذَلِكَ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ ثَوْبًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِأَنَّهُ نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قُضِيَ بِالثَّوْبِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَغَزْلِ الْقُطْنِ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الثِّيَابِ الَّتِي تُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْخَزِّ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ: النَّسْخُ فِي الثَّوْبِ مُوجِبٌ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>