وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ كَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ
مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ كَالنِّتَاجِ فِي الدَّايَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ بِحَيْثُ يُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْخَزِّ يُنْسَجُ ثُمَّ يُنْكَثُ فَيُغْزَلُ وَيُنْسَجُ ثَانِيًا فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ (وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَأَنَّ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ أَوْلَى اسْتِحْسَانٌ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيهِ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ حَدِيثُ جَابِرٍ ﵁ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ فَلَا يُلْحَقُ بِالنِّتَاجِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكُلُّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (كَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ) أَيْ وَاِتِّخَاذِ اللِّبَدِ (وَالْمِرْعِزَّى) أَيْ وَجَزِّ الْمِرْعِزَّى إذَا شَدَّدْت الزَّايَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفَتْ مَدَدْت، وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ مَكْسُورَتَانِ.
وَقَدْ يُقَالُ: مَرْعَزَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفًا مَمْدُودًا وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَجَزِّ الصُّوفِ) فَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ لَبَنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ حَلَبَهُ مِنْ شَاتِه، أَوْ ادَّعَى جُبْنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ادَّعَى لِبْدًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ادَّعَى مِرْعِزَّى أَنَّهَا مِلْكُهُ جَزّهَا مِنْ عَنْزِهِ، أَوْ ادَّعَى صُوفًا أَنَّهُ مِلْكُهُ جَزَّهُ مِنْ غَنَمِهِ وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ لِذِي الْيَدِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ فِيهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَانَتْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأُلْحِقَتْ بِهِ (وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ يَتَكَرَّرُ (قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ لِذِي الْيَدِ بِالنَّسْجِ ثُمَّ يَغْصِبُهُ الْخَارِجُ وَيَنْقُضُهُ وَيَنْسِجُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَيَصِيرُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ بَعْدَ مَا كَانَ مِلْكًا لِذِي الْيَدِ فَكَانَ بِمَعْنَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي لَا يُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً إذَا صَارَ لِذِي الْيَدِ يَنْسِجُهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ لِلْخَارِجِ بِنَسْجِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى دَعْوَى النِّتَاجِ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْضُ الْيَدِ الثَّابِتَةِ بِالشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: كِلَا بَحْثَيْهِ سَاقِطٌ جِدًّا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يَقْضِي هَاهُنَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ السَّبَبَيْنِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَمْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِي الْيَدِ حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعَى لِلْخَارِجِ؛ بَلْ إنَّمَا يَقْضِي هَاهُنَا بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute