لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ،
اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَالْمَذْكُورُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لُزُومُ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا: أَيْ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْحَالِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَأَيْضًا عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالِ يُوجَدُ فِي الْحُرِّ أَيْضًا كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَكَمَا إذَا أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، وَإِذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ وَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لَا عَدَمُ لُزُومِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَتِمُّ التَّوْفِيقُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ الصِّحَّةُ هَاهُنَا عَلَى اللُّزُومِ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ، فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لَكِنْ لَا يُنَفَّذُ عَلَى الْمَوْلَى لِلْحَالِ حَتَّى لَا تُبَاعَ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ، إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ النَّفَاذُ عَلَى الْمَوْلَى لِلْحَالِ لِحَقِّهِ، فَإِذَا عَتَقَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَكَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ فِي حَقِّ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَكَوْنُ الْمُقِرِّ حُرًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَيَنْفُذَ فِي الْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِيمَا فِيهِ تُهْمَةٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مَوْلًى، وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ لِلْحَالِ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا (لِأَنَّ إقْرَارَهُ) أَيْ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (عُهِدَ) أَيْ عُرِفَ (مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعُفَتْ بِالرِّقِّ فَانْضَمَّتْ إلَيْهَا مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى لِقُصُورِ الْحُجَّةِ (بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْذُونَ (مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ لَهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ انْحَسَمَ عَلَيْهِ بَابُ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُبَايِعُونَهُ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الِاسْتِشْهَادُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ يَعْمَلُونَهَا مَعَهُ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالذَّخِيرَةِ (وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ) أَيْ الْقِصَاصِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ (مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَدِّ وَالدَّمِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَوْ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْمُثَنَّى أَيْضًا كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ (حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute